كيف يمكن الاستفادة من الفيضانات وتجنب آثارها المدمرة؟

Jan 24, 2024

شاعت في السنوات الأخيرة الفيضانات العارمة التي تأتي على الأخضر واليابس وتغمر المنازل وتشرد السكان في شتى بقاع العالم، ما يجعل من الصعب التفكير بأن هذه الفيضانات العارمة قد تصب في صالح البشرية والبيئة.

وتشير البيانات إلى أن الفيضانات كانت أكثر ظواهر الطقس المتطرفة التي تسببت في خسائر اقتصادية في بلدان الاتحاد الأوروبي بين عامي 1980 و2022. لكن تداعيات الفيضانات على البيئة الطبيعية غير المأهولة لا تتسم دائما بالسلبية!

وفي هذا السياق، يرى جيمس دالتون، مدير برنامج المياه العالمي في الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة، أن العديد من النظم البيئية تعتمد في الواقع على ارتفاع منسوب المياه الموسمية لإتمام العمليات الإيكولوجية بشكل طبيعي مثل توزيع مغذيات التربة، ويقول “نستخدم أنظمة الأنهار لتوفير إمدادات ثابتة من تدفق المغذيات التي تُثري النظم البيئية بشكل أكبر في قاع الأنهار، والتي تتدفق أيضا إلى مصاب ودلتات الأنهار التي تعد الأكثر نشاطا من الناحية البيولوجية في العالم. نحن بحاجة إلى الفيضانات لأنها تزيل الرواسب وتطرد العناصر الغذائية وأنواعا أخرى. لذا فهي ذات أهمية بالغة”.

ويقول العلماء إنه في حالة انحسار مياه الفيضانات فإنها تترك وراءها رواسب وعناصر مغذية توفر سمادا طبيعيا غنيا يعمل على تحسين جودة التربة ويعزز نمو النباتات، وإن ذلك كان أحد الأسباب التي أدت إلى وجود قرى ومدن حول الأنهار، فضلا عن أن الفيضانات تحول الأراضي غير الجيدة إلى مناطق خصبة صالحة للزراعة.

وتعد الفيضانات مفيدة في عملية تجديد إمدادات المياه الجوفية. ورغم أن هذه العملية تحدث بشكل طبيعي في بعض المناطق، إلا أن سلطات ولاية كاليفورنيا الأمريكية تخطط لتخزين مياه الفيضانات الزائدة عن الحاجة للمساعدة في إعادة ملء الخزانات الطبيعية في جوف الأرض بهدف تخزين المياه حتى يمكن استخدامها خلال فترات الجفاف.

خسائر الفيضانات

وبعيدا عن فوائد الفيضانات، فإنها تتسبب في خسائر فادحة أيضا في حالة حدوثها بشكل عارم وغير متوقع، خاصة مع ارتفاع درجات الاحترار العالمي بشكل مطرد. وفي ذلك؛ يقول دالتون إننا “نعاصر فيضانات أكثر تدميرا وأطول حدوثا وأسرع من حيث التأثير بسبب التغيرات التي طرأت على ظاهرة هطول الأمطار، وهذا الأمر يؤثر على التنوع البيولوجي”.

ويقول العلماء إن أحد التأثيرات الأكثر وضوحا على الحياة البرية جراء الفيضانات يتمثل في عدم قدرة بعض الكائنات على الهروب بسبب ارتفاع مستوى المياه بشكل كبير وبوتيرة سريعة، إذ في العام 2012، لقيت مئات الحيوانات حتفها خاصة حيوانات وحيد القرن المهددة بالانقراض عندما ضربت فيضانات شديدة حديقة كازيرانجا الوطنية في شمال شرق الهند.

وقال الباحثون إنه حتى في حالة تمكنها من الهروب فإن الفيضانات يمكن أن تدمر موائل هذه الحيوانات ومناطق تستخدمها للتكاثر، فضلا عن أن الفيضانات تلحق أضرارا بالنباتات بسبب أنها ربما تحتوي على مبيدات زراعية أو مواد كيميائية صناعية أو مياه الصرف الصحي. وفي هذه الحالة، فإن الحيوانات إذا تناولت نباتات ملوثة، فإنها سوف تتعرض للتسمم.

البيئة هي المتضرر الأكبر

ورغم أنه في بعض الأحيان تصب الفيضانات في صالح بعض أنواع التربة، إلأ أن الفيضانات العارمة تتسبب في دمار كبير، إذ قد تجرف أكثر من 5 إلى 10 سنتيمترات من الأراضي الغنية بالمواد المغذية. وفي هذا السياق، يقول مايكل بيرغر، الخبير في مجال الزراعة المستدامة في فرع الصندوق العالمي للطبيعة بألمانيا، “علينا تخيل حدوث فيضان تغمر مياهه الأراضي ولا تترك شيئا. نعم قد يبقى جزء من التربة، لكن قد تم جرف الجزء الأكثر قيمة”.

وتعد التربة أفضل الموائل والأكثر ثراءً في العالم، لذا فهي تعتبر ضرورية للحفاظ على التنوع البيولوجي. فيما ذكر تقرير جديد صدر عن مؤسسة هاينريش بول، أن الأرض المتمتعة بالعافية يمكنها تخزين كميات من ثاني أوكسيد الكربون أكبر من تلك التي تخزنها الغابات.

ويؤدي تآكل التربة إلى تدمير الموائل والمناظر الطبيعية فضلا عن منع الأرض من امتصاص الماء عند حدوث فيضانات كبيرة، ما يؤدي إلى تداعيات كارثية. وفي تعليقها على ذلك؛ تقول إيمي شولتس، مديرة مؤسسة هاينريش بول، “نحن بحاجة إلى تربة ذات صحة جيدة من أجل التكيف مع أزمة المناخ، بما يعني قدرتها على تخزين ما يصل إلى 3750 طنا من المياه لكل هكتار وإطلاقها مرة أخرى عند الحاجة”.

كيف يمكن حماية النظم البيئية من الفيضانات؟

يقول دالتون إن هناك بعض الطرق التي تساعد في الحد من آثار الفيضانات، مضيفا أن “البناء في طرق مياه الفيضانات أو السهول الفيضية من بين أسباب زيادة حدة الفيضانات”.

يشار إلى أن أزمة السكن في بعض الدول تسببت في زحف عمراني صوب السهول الفيضية، رغم أن البناء في هذه المناطق يعرض السكان للخطر. ويقول دالتون إن “ربط الأنهار بسهولها الفيضية وربط المياه الجوفية بالمياه السطحية يعد بالأمر الهام، لأن هذا يشكل شبكة فعالة تسمح بتدفق المياه”.

ويقول الباحثون إن تحويل الزراعة من الأشكال الصناعية التقليدية إلى ممارسات تفيد البيئة مثل الزراعة الحراجية التي تدمج بين زراعة أشجار ومحاصيل خشبية أو تحويل الأراضي غير المزروعة إلى غابات، يساعد في تقليل آثار الفيضانات.

وفي ذلك؛ يقول بيرغر “عندما يقع الفيضان، يمكن إبطاء سرعة تدفق المياه. وكلما كان جريان المياه أبطأ، كلما قل التآكل. البشر يواجهون تغير المناخ بكل تداعياته، سواء أكانت فيضانات عارمة أو جفاف قاسي، لذا؛ يجب علينا أن نمضي قدما في البدء بحلول طبيعية بدلا من تشييد خرسانات في كل مكان والاعتقاد بأننا قادرون على حل كل شيء باستخدام التكنولوجيا التي بحوزتنا”.

المصدر: دي دبليو عربية