الطاقة النظيفة والرجل الرشيد

Jan 21, 2024

يعتقد البعض أن مسألة استخدام الطاقة النظيفة هو أمر ثانوي وغير مهم، سواء على مستوى الأفراد أو المجتمعات أو الأمم والدول، وأن هناك قضايا في الحياة أهم منها كلقمة العيش مثلا! ولكن الحقيقة الغائبة أننا إذا أهملنا هذا الموضوع فسوف يكون الصراع على لقمة العيش أصعب بكثير مما نتصور، لأن الموارد ستشح مع زيادة عدد سكان الأرض، وسوء استخدام الموارد الطبيعية، وعدم الاهتمام لشأن البيئة.

الواقع أننا وصلنا لهذه المرحلة لأن من كان قبلنا من الأجيال منذ ظهور الثورة الصناعية لم يأخذوا مسألة التلوث البيئي على محمل الجد، وقالوا كما يقول البعض منا اليوم هي مسألة ثانوية، لا شأن لنا بها، ولعل من بعدنا يصلحها!

سوف نبدأ الحديث عن هذه المعضلة بلغة الأرقام، فقد زادت درجة حرارة الأرض اليوم بمعدل “1.48” درجة مئوية منذ القرن التاسع عشر الميلادي، ويحاول العالم جاهدا ألا تتجاوز مستوى “1.5” درجة مئوية حتى نتفادى التداعيات الكبيرة للتغير المناخي بشكل لا يمكن السيطرة عليها.

من الأسباب التي أدت إلى التغير المناخي استخدام الطاقة غير النظيفة وغير المتجددة، والتي تزيد من الانبعاثات الكربونية، وبالإضافة إلى التصنيع بكفاءة متدنية، وباستهلاك عالي للطاقة، وقطع الغابات والأشجار، واستخدام وسائل النقل المتنوعة ذات الكفاءة المنخفضة، وإنتاج الغذاء بوسائل تُصدر كميات كبيرة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والميثان والغازات الدفيئة الأخرى.

يوافق 26 يناير الحالي “اليوم الدولي للطاقة النظيفة” وهو شأن عام وخاص، وكل منا له يد فيه، هو شأن عام لأن الدول لديها اتفاقية دولية للمساهمة في خفض الانبعاثات الغازية الضارة للهواء والبيئة، والتي تسببت في ما نراه اليوم من تغيرات غير مسبوقة لدرجات الحرارة في بعض الدول، وكذلك الزيادة في وتيرة الحرائق للغابات، وذوبان الجليد في المناطق القطبية والمجاورة لها، وزيادة التصحر في دول مختلفة من أنحاء المعمورة، وتأثر المسطحات الزراعية. وذكرت هيئة الأمم في شأن هذا اليوم العالمي “ولذا؛ فاليوم الدولي للطاقة النظيفة، هو دعوة لإذكاء الوعي وحشد العمل لضمان التحول العادل والشامل إلى الطاقة النظيفة بما يعود بالنفع على الناس وعلى الكوكب”.

وأما على المستوى الخاص، وأقصد أنا وأنت “كأفراد”، فلدينا مسؤولية كبيرة لا تقل عن مسؤوليات الدول، منها على سبيل المثال لا الحصر، الاهتمام بعمليات التدوير بكافة أنواعها المختلفة (البلاستيك والورق والمعادن والأخشاب)، أيضا الاهتمام بشراء الأجهزة والمعدات والآلات الأكثر كفاءة، والترشيد في استخدام الطاقة والمياه، واستخدام الطاقة المتجددة كالشمسية والنظيفة في مختلف المجالات الممكنة على المستوى الشخصي، والتقليل من النهم في شراء الكماليات، وعدم الإسراف في استخدام الطعام والشراب، وعدم قطع الأشجار، والاهتمام بالتشجير، والمحافظة على الطبيعة بوجه عام، وغيرها من الوسائل التي تصب في مصلحة البيئة المحيطة، وبالتالي الأرض ككل.

من المهم أن نذكر أن حلّ هذه المعضلة يكمن في الجهد الجماعي، فقد تجاوز عدد البشر اليوم حاجز الـ8 مليار نسمة، فلو أن كل واحد منا قال “لا شأن لي بالطاقة النظيفة ولا بالتغير المناخي” لفسدت الأرض جوا وبحرا وبرا، وسيدفع أبناؤنا وأحفادنا الثمن باهظا بسبب تقصيرنا، وسوف يقولون عنا: ألم يكن فيهم رجل رشيد؟!

بقلم: عبدالله الغنام – اليوم