ارتفاع مستوى سطح البحار سيكبد أوروبا وبريطانيا مليارات اليورو

Jan 21, 2024

خلُصت دراسة جديدة إلى أن ارتفاع مستوى سطح البحر من شأنه أن يكلف دول الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة نحو 872 مليار يورو (ما يساوي 748.9 مليار جنيه استرليني) بحلول نهاية القرن الحالي، عام 2100، مرجحة أيضاً أن تقاسي الاقتصادات في المناطق الساحلية أضراراً أكثر مقارنة مع غيرها من اقتصادات.

وربما تواجه المناطق الساحلية المنخفضة عند سطح البحر أو على مقربة منه، مثل فينيتو وإميليا رومانيا في إيطاليا، وزاكودنيوبومورسكي في بولندا، خسارة فادحة في الناتج المحلي الإجمالي تبلغ 21%.

وتبين أن المناطق الأخرى التي يُتوقع أن تشهد خسائر اقتصادية ضخمة تتمركز حول بحر البلطيق والساحل البلجيكي وغرب فرنسا واليونان.

كذلك وجد المحللون أن مناطق المملكة المتحدة التي ستعاني أكثر من غيرها هي شرق يوركشاير وشمال لينكولنشاير بسبب الأضرار التي ستلحق في البنى الأساسية لنظام النقل في البلاد.

صمم الدراسة ووضع نماذجها اقتصاديون من جامعة “دلفت للتكنولوجيا” الهولندية، وكان مرادهم، كما أوضحوا، المساعدة في تحديد التأثيرات السلبية التي تترتب على ارتفاع منسوب سطح البحر.

واستخدم هؤلاء الباحثون ما يعتبر السيناريو المناخي الأسوأ، وفيه تستمر الدول في إطلاق مستويات عالية من الغازات الدفيئة المسببة للاحترار العالمي على مدى العقود الزمنية المقبلة، ما يؤدي إلى ارتفاع في درجة حرارة الأرض بنحو خمس درجات مئوية فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي بحلول عام 2100، وارتفاع في مستوى سطح البحر بنحو متر ونصف المتر.

ولكن العلماء يستبعدون هذا السيناريو نظراً إلى أن دولاً عدة قد حددت لها أهدافاً صافية صفرية من الانبعاثات الحرارية (تصفيري الانبعاثات)، وأخذت في التحول إلى استخدام أشكال الطاقة المتجددة المستمدة من مصادر طبيعية والتي تراعي المناخ والبيئة.

وبحسب التقديرات الحالية، فإن الأرض في طريقها نحو تسجيل ارتفاع في درجات الحرارة بنحو ثلاث درجات مئوية فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي، علماً أن هذا السيناريو سيترك تبعات كارثية.

وقال الباحثون في الدراسة إنهم لم يأخذوا في الاعتبار التأثير المحتمل لنقاط التحول الحرجة في النظام المناخي، إذ يبدأ الجليد البحري في القارة القطبية الشمالية أو الصفائح الجليدية في جزيرة غرينلاند في الذوبان بشكل تتعذر السيطرة عليه.

والجدير بالذكر أن الباحثين درسوا ارتفاع مستوى سطح البحر على حدة، من دون أي أخطار مناخية أخرى من شأنها أن تتزامن معه، وتتسبب تالياً بأضرار اقتصادية إضافية.

وقالت البروفيسورة تاتيانا فيلاتوفا، واحدة من الباحثين بالدراسة، “إن معرفة القطاعات الاقتصادية والمناطق الأكثر تضرراً بارتفاع منسوب البحر يساعد في تصميم استراتيجيات مصممة خصيصاً للتكيف مع كل خطر بحد ذاته في القطاعين العام والخاص”، مضيفة “إذا استبقنا الأمور وأدرجنا في صدارة أولوياتنا توظيف الاستثمارات في التنمية الاقتصادية لصناعات معينة في مناطق محددة، وكذلك توظيفها في استراتيجيات التكيف المحلي، سيساعدنا ذلك في بناء اقتصادات منيعة أكثر في مواجهة التغير المناخي”.

كما أكّدت فيلاتوفا أن “هذا النموذج يسمح لنا بتقييم سبل الموازنة الاقتصادية الإقليمية بين سياسات التكيف على أنواعها، بما في ذلك -مثلاً- فهم ما إذا كان الانسحاب الجزئي أو الشامل من أماكن الخطر المحتمل يشكل خطوة منطقية، وكيفية التعامل مع سحب بعض الصناعات استثماراتها من مواقع معينة”.

وشدد الباحثون على أن نموذجهم المستخدم في الدراسة، والذي نظر في 271 منطقة أوروبية، يوضح كيف أن كل منطقة ستتأثر بدرجات مختلفة وستتطلب حلولاً ضرورية.

وفي حين أن التأثير الإجمالي يكاد لا يذكر، علماً أنه يُقدر بخسارة 1.26% من الناتج المحلي الإجمالي في مختلف أنحاء أوروبا، فإن بعض المناطق الساحلية قد تواجه انتقال صناعات برمتها إلى مناطق أخرى.

وقدّر الباحثون أن تجني المناطق الداخلية فائدة صغيرة تتمثل في زيادة بنسبة 1% في الناتج المحلي الإجمالي جراء نأي السكان عن البحر، ولكن تتضاءل أهمية ذلك أمام الخسارة المتوقعة في المناطق الساحلية.

وقال البروفيسور كريس هيلسون، عالم في المناخ في جامعة “ريدينغ” الإنجليزية، إن البحث يغفل عنصراً من عناصر العدالة المناخية، وهو أن ارتفاع مستوى سطح البحر من شأنه أن يفاقم أشكال عدم المساواة القائمة أصلاً، إذ تُنفق الأموال في الدفاع عن مناطق مهمة بالنسبة إلى اقتصاد الدولة، في حين يرحل سكان المناطق الفقيرة الأخرى عن منازلهم مكرهين.

وأضاف هيلسون إنه “في عمليات تقييم قائمة على تحليل نسبة التكاليف والعوائد المتعلقة بالمناطق التي يجب أن يتركز إنفاق الدولة فيها على التكيف مع عواقب تغير المناخ، يبرز خطر توجيه جميع الأموال إلى المناطق الغنية ذات الناتج المحلي الإجمالي المرتفع، ولكن، كما أظهر البحث الأكاديمي حول الانسحاب المنظم للأفراد والمباني من المناطق الساحلية المنخفضة بعيداً عن الأخطار بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر، يتمثل الخطر في إقصاء المجتمعات الفقيرة وحملها على الانتقال إلى مناطق أخرى داخل البلاد”.

وبعبارة أخرى “تصبح المجتمعات المهمشة أصلاً أكثر تهميشاً”، بحسب هيلسون.

المصدر: اندبندنت عربية