التغيرات المناخية وأثرها على مستقبل اليمن

Jan 15, 2024

على الرغم من الصراع المُدمّر الذي يشهده اليمن منذ نحو عشر سنوات، والآثار التي خلّفها الصراع من أزمة إنسانية وصفت بحسب تقارير أممية بأنها “الأسوأ في العالم”؛ إلا أن الكثير من الخبراء يرون أن الأزمة البيئية الناجمة عن تغيرات المناخ هي أكبر خطر على مستقبل اليمن.

تذكر التقارير الدولية أن اليمن واحدا من أكثر البلدان عرضة للتأثير السلبي لتغير المناخ في العالم، وهي من بين أكثر من 20 دولة عرضة للخطر في العالم؛ نتيجة التأثيرات الكبيرة التي تواجهها على كافة القطاعات، أبرزها قطاع “المياه والزراعة”، وما ينجم عنها من تزايد حالة النزوح القسري، والصراع المجتمعي في اليمن.

أواخر نوفمبر الماضي، قال تقرير أممي إن اليمن شهد خلال السنوات الأخيرة “حالتي تطرف مناخي” إحداهما “الجفاف الشديد”، والأخرى “الفيضانات الشديدة”، وهو الأمر الذي فاقم حالة انعدام الاستقرار الاقتصادي في البلاد، ونجم عنه واقع قاسٍ؛ نتيجة حالة التغير المناخي المتطرف.

التقرير الذي أصدرته منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة، قال إن اليمن من أكثر البلدان في العالم الذي يواجه شحًا في المياه، الأمر الذي انعكس بشكل سلبي على المزارعين الذين أصبحوا غير قادرين على زراعة محاصيلهم، ما أدى إلى تفاقم خطر انعدام الأمن الغذائي نتيجة انخفاض نسبة الأراضي الزراعية، وهو الأمر الذي دفع الناس إلى النزوح القسري، مع تأكيدات بتزايد حالة النزوح في اليمن، نتيجة الجفاف أو الفيضانات.

ووفقاً لهذه المعطيات، يربط الكثير من الخبراء بين البيئة وعملية السلام في اليمن، باعتبار أن التغيرات المناخية قد يكون لها آثارًا سلبية على السلام فيه؛ نتيجة الصراع المجتمعي الناجم عن ذلك، وقد تكون آثارها المُدمّرة لا تقل سوءًا عن الأثار التي خلفها الصراع منذ عقد من الزمن، وهو أمر أكدته التقارير الرسمية اليمنية.

فبحسب تقرير أصدرته وزارة الداخلية اليمنية في 2010، فإن “النزاعات حول الأراضي والمياه هو ثاني أكبر سبب للنزاع في اليمن”، مؤكدة أنه “يقتل نحو 4000 شخص في اليمن سنويًا؛ نتيجة النزاعات المحلية حول الأراضي والمياه”، ولا شك أن ضحايا هذه الصراعات قد تزايدات أعدادها اليوم بشكل كبير مقارنة بما كانت عليه في السابق، وهو ما دفع الوكالة الأمريكية للتنمية مطلع أبريل الماضي للإعلان عن برنامج لمساعدة المجتمعات اليمنية المتضررة من النزاعات على الأراضي والمياه بشكل عادل وسلمي، بتكلفة اجمالية قدرت بـ 1.2 مليون دولار.

إضافة إلى ما سبق، فإن تغير المناخ في اليمن قد أدى إلى تفاقم المعاناة، خصوصًا مع تناقص كمية الأمطار باستمرار، في الوقت الذي تأتي فيه الأمطار على شكل أمطار غزيرة تؤدي إلى حدوث السيول، والفيضانات وجرف الأراضي الزراعية، والخسائر الكبيرة التي يتكبدها المزارعون.

فبحسب تقارير اقتصادية، فقد أدت الأمطار الغزيرة والفيضانات التي شهدتها عدد من المحافظات اليمنية مطلع 2023 إلى جرف نسبة كبيرة من المحاصيل الزراعية، ومنها “الكَمّون”، في محافظة الجوف، الأمر الذي كبّد المزارعين خسائر فادحة، نَجَم عن ذلك نقص المعروض من تلك المحاصيل في الأسواق المحلية، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعاره بنحو 300%.

إن السيول الكبيرة والفيضانات، وكذا موجات الحر ونقص هطول الأمطار، قد أدت إلى ظهور تحديات كبيرة للمزارعين في جميع أنحاء البلاد، حيث تعتمد اليمن بشكل كبير على المياه السطحية والمياه الجوفية، ما يعني أن التغيرات في هطول الأمطار يمكن أن تسبب اضطرابات كبيرة في امدادات المياه، ناهيك عن الخسائر في الأراضي الزراعية والمباني والأرواح.

فبحسب تقارير حقوقية، فإن السيول والأمطار الغزيرة التي اجتاحت اليمن طوال صيف 2022 قد تسببت في حدوث أضرار واسعة النطاق وإلحاق أضرار بالمدنيين. ففي شهر يونيو 2022 كان للسيول آثار على أكثر من 41 ألف شخص في خمس محافظات يمنية، وخلال النصف الأول من العام 2023 أعلنت الأمم المتحدة تضرر أكثر من 80 ألف يمني بسبب السيول، بالإضافة إلى تضرر أكثر من 36 ألف أسرة لنفس السبب، خلال الفترة ذاتها.

بالإضافة إلى ما سبق، ساهمت الظواهر المناخية المتطرفة في اليمن، بما في ذلك السيول والجفاف، في انخفاض الإنتاجية الزراعية التي لوحظت في السنوات الأخيرة، سواء بسبب تأثيرها على الأراضي الزراعية، أو بسبب النزوح الذي أدت إليه. فبحسب الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية “لا يزال شح المياه يشكل العائق الأكبر أمام الإنتاجية الزراعية في اليمن، ومن المتوقع أن يؤدي المزيد من استنزاف موارد المياه إلى خفض الإنتاجية الزراعية بنسبة تصل إلى 40%”.

ولا شك أن هذا الانخفاض في الإنتاجية الزراعية والموارد المائية سيؤدي إلى الانخفاض في الموارد الحيوية، ما يتسبب في النهاية بمزيد من النزاعات بين المجتمعات المحلية حول الموارد المحدودة المتبقيّة، وهي ظاهرة أثّرت بالفعل على اليمن على مدى عقود من الزمن، وهو ما يؤكد على ضرورة اتخاذ الاجراءات اللازمة للحد من تفاقم تهديدات الحماية التي تواجه اليمنيين، حيث من المتوقع أن تخلق هذه التغيرات المناخية مخاطر أكبر، فيما يتعلق بالنزاع الجاري، والنزاعات المستقبلية.

المصدر: بقلم: ياسر الجابري – المصدر أونلاين