عهد «الغليان الحراري العالمي»… الحياة أو الموت!

Jan 10, 2024

تُعدّ الأزمة المناخية واحدة من أكبر التحديات التي تواجه البشرية في الوقت الحاضر، إذ يؤدي تغيّر المناخ إلى آثار كارثية على كل من يوجد على الكرة الأرضية، وإلى تطرف مناخي يُبرر القلق على التنوع البيولوجي والأمن الغذائي ووفرة المياه العذبة وتوازن النظم البيئية الحيوية، ما يستدعي الإسراع إلى اتخاذ التدابير التي تحول دون ذوبان الجليد في المدارات القطبية والغرق الكلي أو الجزئي للجزر والمدن الساحلية، وتكرار واشتداد قوة الأعاصير المدارية، وزيادة رقعة التصحّر… إلخ.

ولمواجهة هذه التحديات العالمية، تحاول الدول تنظيم جهودها وتنسيقها في مؤتمرات دولية متخصصة لمناقشة الحلول وتحمّل الالتزامات ذات الصلة، ويلفت -في السياق- أن الموضوع الوحيد الذي خصصت له الأمم المتحدة ما يقارب ثلاثين قمة هو موضوع “المناخ”، وأقربها انعقاداً قمة (كوب28)، والتي أُعلن في ختامها إنشاء صندوق بقيمة 30 مليار دولار للحلول المناخية على مستوى العالم لسد فجوة التمويل المناخي وتيسير الحصول عليه بتكلفة مناسبة.

يأتي ذلك مع استمرار الاتجاه المتصاعد لاحترار كوكبنا الأزرق نتيجة الزيادة المستمرة في تركيزات الغازات المسببة للاحتباس الحراري في الغلاف الجوي، والتي وصلت إلى مستويات غير مسبوقة منذ عصر “ما قبل الصناعة”، وهذا ما دفع الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، للتصريح أن “عصر الاحتباس الحراري انتهى وبدأ عهد الغليان الحراري العالمي”، معتبراً أن قساوة المناخ الملتهب ستجعل البشرية تعيش في “كارثة” كونية.

وفي السياق، نقرأ على الموقع الإلكتروني للأمم المتحدة خبراً منسوباً إلى المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، مفاده أن متوسط درجة الحرارة العالمية لشهر يوليو 2023 بلغ أعلى مستوى تم تسجيله على الإطلاق منذ 120 ألف سنة على الأقل، كما تم تحطيم الأرقام القياسية لدرجات حرارة سطح البحر العالمية بارتفاع بلغ حوالي 0.51 درجة مئوية فوق المتوسط الأعلى تاريخياً والمسجل في عام 1991-2020!

ركز مؤتمر المناخ (كوب28) بشكل رئيس على تسريع التحول الطاقي وتقليل الانبعاثات بشكل ملموس قبل عام 2030 وتقليل اعتماد العالم على الوقود الأحفوري، كما ذكّر بأولوية الوفاء بالوعود السابقة، ووضع إطار عمل لاستراتيجيات تمويل مناخي جديدة، مع التركيز على دعم الدول النامية، وهذا ما يُعد امتداداً لجهود وقرارات القمم السابقة، ومن أبرزها قمة غلاسكو 2021 التي نتج عنها ميثاقاً عالمياً خاصاً بالمناخ، اعتُبر الحل التوافقي الأنسب الذي كان بالإمكان التوصل إليه، في ظل التناقض -آنذاك- بالمواقف بين الدول المدافعة عن مصالحها الاقتصادية والصناعية والاتجاهات الجادة بالسعي نحو المحافظة على بيئة مستدامة للأجيال القادمة.

ومع اتفاق المؤتمرين في غلاسكو على إعلان “حالة الاستنفار والقلق البالغ”، كرروا تأكيد التزامهم باتفاقية باريس للمناخ الموقعة بتاريخ 12 ديسمبر 2015 بهدف الحد بشكلٍ كبير من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية والحد من زيادة درجة الحرارة العالمية في هذا القرن إلى درجتين مئويتين، مع السعي إلى تخفيضها لـ1.5 درجة مئوية، وتسريع العمل على خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 45%، والالتزام بوقف فقدان الغابات وتدهور الأراضي، ودعوة جميع البلدان إلى تقديم خطط عمل وطنية جدّية بشكل متوازٍ، مع تعزيز “شبكة سانتياغو” التي تربط الدول المعرضة للخطر بمقدمي المساعدة التقنية والمعرفة والموارد لمعالجة مخاطر المناخ.

كل ذلك، يبقى حبراً على ورق، ما لم تقم الدول بواجباتها، وما لم نستمع، أفراداً وجماعات، لصرخة الأمين العام للأمم المتحدة التي أطلقها على أثر دخول الأرض “عصر الغليان”، منبهاً أنه “لا للمزيد من التردد… لا للمزيد من الأعذار… لا للمزيد من انتظار الآخرين للتحرك أولاً”.

المحافظة على البيئة ومكافحة التغير المناخي هما مسؤولية مشتركة يمكن للجماعات فيها -كما للأفراد- أن يقدموا من خلالها إسهامات قيّمة، تبدأ بترشيد استهلاك المياه، وتقليل الاستخدام المفرط للطاقة المتولّدة من مصادر غير متجددة، والحد من إنتاج النفايات والتعوّد على فرزها وإعادة تدويرها، بالإضافة إلى دور الدول والمؤسسات في تعزيز الحملات التوعوية وتشجيع الأنشطة المجتمعية ذات الصلة بالبيئة ومكافحة التلوث، وتعميم المعارف والمعلومات حول السلوكيات البيئية المستدامة، وتأمين كل وسائل الدعم والتحفيز للملتزمين بها.

إن التبني الجماعي لأسلوب حياة مستدامة وترسيخ ثقافة الالتزام بالسلوكيات الصديقة للبيئة لم تعد رفاهية بل ضرورة “حياة أو موت”، والقول في ذلك يطول.

بقلم: بلال الصنديد – الجريدة