التبريد النظيف… هل يحسم المعركة ضد التغيرات المناخية؟

Jan 07, 2024

دفعت المخاوف المتعلقة باتساع ثقب الأوزون، والتحولات العالمية لتحسين نظم كفاءة الطاقة، الكثير من الدول إلى تبني تقنيات التبريد النظيف.

تعتمد تقنيات التبريد النظيف، التي بدأت تنتشر في كثير من دول العالم، على استخدام غاز ثاني أكسيد الكربون، الذي يتم ضخه في صورته السائلة في أنابيب شبكات التبريد، بدلاً من مواد التبريد التقليدية، مثل مركبات “الهيدروفلوروكربون”، التي باتت تشكل تهديداً متزايداً ينذر بمزيد من الكوارث المناخية.

ويعتبر تقرير صدر عن تحالف المناخ والهواء النظيف (CCAC) أن “تعديل كيغالي”، إضافة إلى اللوائح المحلية، وبرامج كفاءة استخدام الطاقة، من العوامل التي شجعت على انتشار تقنيات التبريد النظيف.

تم إطلاق تحالف المناخ والهواء النظيف في عام 2012، بواسطة برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP)، بهدف تحفيز التخفيضات السريعة للحد من ملوثات المناخ قصيرة الأجل، والتي لها تأثيرات سريعة على ظاهرة الاحتباس الحراري وجودة الهواء والأمن الغذائي وصحة الإنسان.

ويهدف “تعديل كيغالي” على بروتوكول مونتريال لحماية طبقة الأوزون، إلى تقليل إنتاج واستهلاك مركبات الهيدروفلوروكربون تدريجياً، والتي تعتبر من الغازات الدفيئة القوية، ويمكن أن تؤدي إلى تفاقم الاحتباس الحراري، وصولا إلى جعل بروتوكول مونتريال أكثر فاعلية في الحد من التغيرات المناخية.

غازات التبريد أكبر مسببات الاحتباس الحراري

ومع الارتفاع المتزايد في درجات الحرارة يتم التوسع في استخدام تقنيات التبريد، بما في ذلك مبردات حفظ الأطعمة أو أجهزة تكييف الهواء، إلا أن هذه التقنيات من شأنها أن تؤدي إلى مزيد من الارتفاع في حرارة الأرض، لأنها تقنيات كثيفة استهلاك الطاقة، كما تعتمد على غازات الهيدروفلوروكربون، التي تؤدي إلى رفع حرارة الغلاف الجوي بمستويات أكثر من ثاني أكسيد الكربون بآلاف المرات.

فعلى عكس غازات التبريد الشائعة، مثل الهيدروفلوروكربون (HFCs R-134)، والفريون (R-404A)، التي يعتبرها خبراء المناخ من أكبر المسببات المحتملة للاحتباس الحراري، بمستويات تصل إلى 1400 و3260 وحدة (GWP) على التوالي، فإن قدرة ثاني أكسيد الكربون على التسبب في الاحترار العالمي، تبلغ وحدة واحدة.

تُعتبر القدرة على إحداث الاحترار العالمي (Global Warming Potentials – GWP)، هي وحدة القياس العالمية لتقييم قدرة الانبعاثات والملوثات المختلفة على التسبب في ظاهرة الاحتباس الحراري.

ويلفت تقرير تحالف المناخ والهواء النظيف، إلى أن هناك بدائل تكنولوجية يمكن أن تحقق العديد من الفوائد المشتركة، ليس فقط على صعيد تقليل تأثير الاحترار العالمي، ولكن أيضاً في تقليل هدر الطعام، وفي خفض تكاليف التشغيل.

ما أنظمة التبريد العابرة للحدود الحرجة؟

يشير التقرير إلى أن أحد أهم قطاعات التبريد الفرعية، التبريد التجاري، بدأ يتحول بسرعة إلى أنظمة التبريد النظيف، أو ما تُعرف بـ”أنظمة التبريد العابرة للحدود الحرجة”، التي تعتمد على استخدام ثاني أكسيد الكربون في الحالة فوق الحرجة (SuperCritical)، بدلاً من مركبات الهيدروفلوروكربون.

وتختلف صورة ثاني أكسيد الكربون في الحالة العابرة للحدود الحرجة، والذي يرمز إليه بالرمز الكيميائي (scCO2)، عن حالته في الظروف العادية للضغط الجوي والحرارة، حيث يكون عادةً في صورة غاز، بينما في الحالة فوق الحرجة، عند مستوى ضغط فوق 73.4 بار، ودرجة حرارة أعلى من 31 درجة مئوية، يكون بين الصورة الغازية والسائلة.

ويستخدم ثاني أكسيد الكربون فوق الحرج في أغراض التبريد، بشكل أساسي، بالإضافة إلى استخدامه كمادة مذيبة للاستخلاص في عدة مجالات، نظراً لوفرته الطبيعية، ولعدم سميته، بالإضافة إلى سهولة فصله عن المواد المراد استخلاصها، كما يمكن استخدام أنظمة التبريد العابرة للحدود لاستعادة الحرارة المهدرة عند تسخين المياه، بما يزيد من كفاءة استخدام الطاقة.

وعلى مدار الفترة بين عامي 2014 و2018 عمل تحالف المناخ والهواء النظيف (CCAC) على تقديم الدعم لمشروعات تجريبية لأنظمة التبريد العابرة للحدود الحرجة على نطاق تجاري، في كل من الأردن بمنطقة الشرق الأوسط وغرب آسيا، وفي تشيلي بأمريكا الجنوبية.

وبحسب التقرير، فإنه منذ ذلك الحين ساعدت الاستثمارات المتزايدة في قطاع التبريد الحرج، خاصةً في البلدان الغنية، مثل الولايات المتحدة الأمريكية واليابان ودول الاتحاد الأوروبي، في انتشار هذه التقنيات على نطاق واسع، ما أدى إلى خفض تكاليف الإنتاج، وتمكين استيعابها في كثير من البلدان متوسطة الدخل.

يشير التقرير إلى أنه حتى في المراحل الأولى من نشر تقنيات التبريد النظيف كانت إحدى المزايا الأساسية، التي ساعدت على انتشار أنظمة التبريد العابرة للحدود الحرجة، تتمثل في أنها أكثر كفاءة في استخدام الطاقة، مقارنةً بأنظمة التبريد التقليدية، وهو ما يساعد على توفير كبير بتكاليف الطاقة للمشغلين، بنسبة تصل إلى 20% على الأقل.

وتُظهر دراسة حديثة لمبادرة التبريد الأخضر (Green Cooling Initiative)، المعروفة باسم (Shecco)، ارتفاعاً كبيراً في اعتماد أنظمة التبريد العابرة للحدود الحرجة إلى ما يقرب من 40 ألف نظام، معظمها في دول أوروبية، مقارنةً بنحو 140 نظاماً فقط في عام 2008.

كما تشير اتجاهات النمو، التي تتبعتها الدراسة، إلى نمو هائل في استخدامات ثاني أكسيد الكربون فوق الحرج في أغراض التبريد؛ حيث سجلت معظم المناطق نمواً بنسبة 75% أو أكثر، بين عامي 2018 و2020، ما يعكس تأثير التصديق على “تعديل كيغالي” وتنفيذه على نطاق واسع، فضلاً عن المخاوف المتعلقة بكفاءة استخدام الطاقة، التي أصبحت سائدة.

مزايا اقتصادية لأنظمة التبريد فوق الحرجة

يؤكد بيير زيكيتو، مستشار فني بتحالف المناخ والهواء النظيف، أن تكلفة أنظمة التبريد الحرجة أصبحت الآن تعادل تقريباً تكلفة أنظمة التبريد التي تعتمد على مركبات “الهيدروفلوروكربون”، مشيراً إلى أن الدعم المقدم للمشروع التجريبي في تشيلي، ساعد في خفض تكلفة أنظمة التبريد النظيف، لتصبح أعلى من الأنظمة التقليدية بأقل من 20%، بعد أن كانت تتجاوز 30%.

وبحسب زيكيتو، فإن الغازات المستخدمة في أنظمة التبريد العابرة للحدود الحرجة، معظمها غاز ثاني أكسيد الكربون، تتوافر بتكلفة أرخص بكثير من مركبات “الهيدروفلوروكربون”، التي تًستخدم في أنظمة التبريد التقليدية، بمعدل يتراوح بين 6 و8 دولارات لكل 500 غرام.

الدكتور أرمين هافنر، أستاذ الطاقة وهندسة العمليات في المعهد النرويجي للعلوم والتكنولوجيا، يؤكد أن أنظمة التبريد التي تعتمد على سوائل طبيعية ذات قدرة منخفضة على إحداث الاحترار العالمي، عادةً ما تكون مفضلة في كثير من الأسواق بمختلف أنحاء العالم، حال توافرها.

ويرى أنه يجب على السلطات الحكومية أن تدرك أنه بحلول عام 2030، فإنه يجب فقط تصنيع أنظمة التبريد الجديدة، باستخدام سوائل طبيعية ذات قدرة منخفضة على إحداث الاحترار العالمي، معتبراً أن مزايا هذه الأنظمة لا تقتصر فقط على الفوائد الاقتصادية، وإنما يمكن أن تزيد من فرص الاستفادة من صناديق وأسواق الكربون المتزايدة.

المصدر: العين