الغليان العالمي وقمة المناخ الأخيرة

Jan 02, 2024

قبل بضعة أشهر، أكد الأمين العام للأمم المتحدة على حاجة قادة العالم إلى الدفاع عن العمل المناخي والعدالة المناخية، ولا سيما قادة دول مجموعة العشرين، التى تساهم وحدها في إطلاق 80% من الانبعاثات الضارة عالميا، حيث قال الأمين العام “إن عصر الاحتباس الحراري قد انتهى، لقد أصبحنا في عصر الغليان العالمي”. وقد سمع هذا التحذير بوضوح في قمة (كوب28)، والتي سعت إلى حشد المزيد من الأموال للتكيف مع تغير المناخ، والتي من المتوقع أيضا أن تثير المزيد من المقاومة من جانب منتجي المواد الهيدروكربونية، ضد استخدام هذه الأموال بكفاءة.

إجماع (كوب28)، هو اتفاق شامل وقعته 197 دولة بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي، ويضع الأساس للانتقال بعيدا عن الوقود الأحفوري، ومضاعفة مصادر الطاقة المتجددة ثلاث مرات، ومضاعفة كفاءة استخدام الطاقة بحلول عام 2030، فضلا عن توفير هيكل تمويلي جديد لتحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050.

وقد تم تأسيس هذا الإجماع على الركائز الأربعة لاتفاق باريس، وهي: تسريع التحول العادل للطاقة، وتصحيح تمويل المناخ، والتركيز على البشر والطبيعة، وتشجيع الاندماج فى العمل المناخي. كما ساهم (كوب28) في تعبئة تمويل قدره 85 مليار دولار مخصصة للعمل المناخي، بما فى ذلك تدعيم ثلاثة صناديق، هي صندوق الخسائر والأضرار، وصندوق المناخ الأخضر، وصندوق المناخ ألتيرا (ALTERRA). مع ذلك، ما زلنا بعيدين كثيرا عن متطلبات التمويل الواقعية لتحقيق الكفاءة والعدالة في العمل المناخي.

إن استثمار ما بين 5 و7 تريليونات دولار سنويا فى تخضير الاقتصاد العالمي بحلول عام 2030، سوف يشكل أهمية بالغة لتحقيق الأهداف المناخية العالمية. توفر الجهود الرامية لتحقيق أهداف اتفاق باريس فرصة لتسريع النمو المحلي والإقليمي والعالمي منخفض الكربون، وبالتالي تحقيق عدد من أهداف التنمية المستدامة.

وفقا لوكالة الطاقة الدولية، بلغت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن وسائل النقل وحدها نحو 8.2 جيجا طن في عام 2019، وهو ما يمثل أكثر من ربع إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية. منذ عام 2000، ارتفعت الانبعاثات تدريجيا بنحو 2% سنويا، ولكنها زادت بنسبة أقل من 0.5% في عام 2019، وهو ما يرجع فى الأغلب إلى زيادة كفاءة الاستهلاك الطاقي، والتحول إلى الكهرباء، وزيادة استخدام الوقود الحيوي. تقدر منظمة الصحة العالمية (WHO) أن أكثر من 80٪ من الأشخاص الذين يعيشون في المناطق الحضرية، يتعرضون لمستويات من التلوث تتجاوز الحدود الموصى بها من قبل المنظمة.

وقد تضاعف تمويل العمل المناخي العالمي تقريبا من 653 مليار دولار في الفترة 2019 – 2020 إلى 1.3 تريليون دولار سنويا في الفترة 2021 – 2022. ومع ذلك، فإن نسبة تمويل المناخ المستخدم فعليا للتكيف آخذة في الانخفاض، حيث انخفضت من 7% في الفترة الأولى إلى 5% من إجمالي تمويل المناخ في الفترة الثانية. ومن المرجح أن تكون التكلفة المالية للتحول في مجال الطاقة كبيرة بسبب كثافة الاستثمار العالية في انتقال الطاقة. وتكشف نماذج المحاكاة أن التحول، في جميع مساراته، سيكون كثيف الاستخدام لرأس المال، حيث يتراوح إجمالي النفقات الرأسمالية المطلوبة بحلول عام 2040 من 32.7 مليار دولار أمريكي في سيناريو التكيف البسيط إلى 94.9 مليار دولار أمريكي لسيناريو إزالة الكربون بشكل عميق ومؤثر. الجانب الأكبر من تلك الاستثمارات يجب أن يسدد مبكرا، فبحلول عام 2025، ينبغي تخصيص ما يقرب من 28% من إجمالي التكاليف الرأسمالية لتحول أو انتقال الطاقة. إن كل خيارات الانتقال سوف تتكبد تكلفة مالية كبيرة، والتي سوف تنعكس فى عجز الموازنات العامة للدول كنسبة من نواتجها المحلية الإجمالية.

من الممكن أن تساهم الجهود المناخية الرامية إلى خفض الانبعاثات وزيادة كفاءة استخدام الموارد في تحقيق تكيف أكثر إنصافا وشمولا، من خلال خلق فرص عمل أكثر وأفضل في مجموعة متنوعة من القطاعات، لا سيما عندما تقترن بسياسات لدعم تأهيل القوى العاملة وتحسين المهارات، فضلا عن تنمية وتحفيز القطاع الخاص. سيؤدي الاستثمار في إزالة الكربون وكفاءة استخدام الطاقة إلى زيادة الطلب على العمالة لتوليد الطاقة المتجددة، وتركيبها، وصيانتها، ورفع كفاءة المباني، والتي تحتاج جميعا إلى مجموعة متنوعة من المهارات. الاستثمار في تنمية المهارات، سواء في مكان العمل أو من خلال التدريب الفني والتعليم المهني المتخصص، من شأنها أن تساعد العاملين في الدول النامية على تلبية هذه الحاجات المتزايدة. ستخلق تلك الصناعات الناشئة فرصا لرواد الأعمال في مجالات عدة: مثل تدقيق الطاقة ومراقبتها، بالإضافة إلى تصميم المباني الخضراء.

وكما يشكل تغير المناخ الخطر الأكبر على كوكبنا، فهو يعد فرصة لا مثيل لها لحشد الجهود الدولية، لتحسين كفاءة قطاعي الطاقة والصناعة، فضلا عن أنظمة النقل والزراعة المستدامة، وتطوير اقتصادات قادرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ، وتحقيق الانتقال العادل إلى اقتصادات صافية الانبعاثات الصفرية. ولاغتنام تلك الفرصة تحتاج الدول النامية إلى موارد تمويل ميسرة، وإطلاق العنان لرأس المال الخاص، فضلا عن نقل المعرفة والمهارات والتكنولوجيا على نطاق واسع.

وإذ اختتمت الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف (كوب27) أعمالها باتفاق تاريخي لتدشين صندوق “الخسائر والأضرار” للدول الأكثر احتياجا، التي تتحمل وطأة تغير المناخ، فقد تم إطلاق هذا الصندوق في اليوم الأول لمؤتمر الأطراف الثامن والعشرين (كوب28)، وهو ما يمثل وسيلة للدول المتقدمة لتعويض الدول النامية عن الأضرار البيئية التي لحقت بها، عبر عصور من الإفراط في إطلاق الانبعاثات الكربونية الضارة، بغية تحقيق نهضتها الصناعية. لقد استغرق العالم المتقدم 28 عاما حتى يدرك مسئوليته عن إفساد مناخ كوكب الأرض. ومع ذلك، لم يتلقَ ذلك الصندوق سوى 429 مليون دولار، أقل بكثير من مبلغ 400 مليار دولار، المطلوب كتعويضات سنوية للدول الفقيرة. كما لم يتم تقديم أي تعهدات بتوسيع مستويات التمويل.

من بين 97 ألف فرد حضروا مؤتمر الأطراف (كوب28)، ممثلين لنحو مائتي دولة، كان هناك 2456 فرد من جماعات الضغط المعنية بالوقود الأحفوري، وهو ما يفوق عدد جميع وفود كل دولة على حدة، الأمر الذي ألقى بظلال سلبية على التحركات المناخية الجادة، إذ يضع الكثير من القيود والأغلال على تحركات الدول للانتقال بعيدا عن الوقود الأحفوري، وهو أحد أهم الأركان الذي أفرزته قمة المناخ الأخيرة.

بقلم: مدحت نافع – الشروق