العمل المناخي في 2024… رؤية استشرافية للمخاطر والجهود

Jan 02, 2024

“لقد كان عام 2023 عاماً مُتخماً بالمعاناة الهائلة والعنف والفوضى فيما يتعلق بقضايا المناخ”.

هكذا يبدي الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، رؤيته للعمل المناخي وقضايا المناخ عموما في العام المنصرم 2023، وذلك في رسالة نشرها موقع الأمم المتحدة، حيث حملت الرسالة تحذيرات مما وصل إليه العالم من حالة فوضى مناخية.

الأكثر دفئاً

من المتوقع أن يكون العام 2024 علامة فارقة مثيرة للقلق في تاريخ المناخ، وفقاً لتوقعات مكتب الأرصاد الجوية في المملكة المتحدة.

وتتوقع النمذجة أن 2024 قد يكون العام الأول في تاريخ البشرية الذي يتجاوز حد الاحترار البالغ 2.7 درجة فهرنهايت (1.5 درجة مئوية).

ووُضع هذا الحد في اتفاق باريس، ويعتقد أنه النقطة التي قد يصبح عندها تغير المناخ غير قابل للتراجع.

وعلى الرغم من أن 2023 يعد العام الأكثر دفئاً حتى الآن، فمن المتوقع بالفعل أن يُحطم عام 2024 الرقم القياسي.

ويقول مكتب الأرصاد الجوية إن تغير المناخ، إلى جانب ظاهرة النينيو الكبيرة، ساهم في ارتفاع درجات الحرارة.

ويقدر العلماء أن درجات الحرارة في العام 2024 ستكون بين 2.41 درجة فهرنهايت (1.34 درجة مئوية) و2.84 درجة فهرنهايت (1.58 درجة مئوية) أعلى من متوسط ما قبل الصناعة.

وبحسب صحيفة “ديلي ميل” البريطانية، يقول الدكتور دونستون، “إن التوقعات تتماشى مع اتجاه الاحترار العالمي المستمر البالغ 0.2 درجة مئوية (0.36 درجة فهرنهايت) كل عقد، وتعززها ظاهرة النينيو. نتوقع عامين جديدين من تسجيل درجات الحرارة العالمية القياسية على التوالي”.

وفي عام 2015، اتفقت الدول على وقف ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى ما يتجاوز 2.7 درجة فهرنهايت (1.5 درجة مئوية)، لأن هذه هي النقطة التي يبدأ عندها المناخ في أن يصبح غير مستقر بشكل خطير.

وسترتفع درجات الحرارة في العام 2024 بسبب عدد من العوامل، بالإضافة إلى تغير المناخ الذي يسببه الإنسان.

وعلى وجه الخصوص، سيؤدي حدث النينيو إلى ارتفاع متوسط درجات الحرارة بشكل مؤقت.

ويعرف حدث النينيو بأنه تحول في توزيع المياه الدافئة في المحيط الهادئ. وهذا يسبب رياحاً أضعف وبحاراً أكثر دفئاً لفترة قصيرة من الزمن.

وقال البروفيسور آدم سكايفي، من مكتب الأرصاد الجوية، “بالإضافة إلى ظاهرة النينيو، لدينا درجات حرارة مرتفعة غير طبيعية في شمال المحيط الأطلسي والمحيط الجنوبي، وإلى جانب تغير المناخ، فإن هذه العوامل مسؤولة عن درجات الحرارة العالمية المتطرفة الجديدة”.

ويأتي هذا التوقع على خلفية سلسلة من الأحداث الجوية التي حطّمت الأرقام القياسية.

وخلال العام المنقضي 2023، كان نوفمبر، الأكثر سخونة في التاريخ، الشهر الخامس الذي يُحطم فيه الرقم القياسي على التوالي.

ويقول مكتب الأرصاد الجوية إن عام 2023 تجاوز توقعاته لدرجات الحرارة، ومن المؤكد الآن أنه كان العام الأكثر دفئاً على الإطلاق.

ووفقاً لتوقعات المكتب، سيكون 2024 العام الحادي عشر على التوالي الذي تصل فيه درجات الحرارة إلى 1.8 درجة فهرنهايت (1 درجة مئوية) فوق مستويات ما قبل الصناعة.

وتكمن خطورة التسارع هذا بارتفاع درجات الحرارة والمناخ الجاف، وما قد ينتج عنه المزيد من حرائق الغابات.

وأكد الخبراء أنه منذ بداية الحقبة الصناعية، شهدت درجات حرارة الكرة الأرضية ارتفاعا بنسبة 1.1 درجة مئوية، ليحذّر العلماء من أن الاحترار الذي يتجاوز الحد هذا، قد يدفع الأرض نحو حالة سخونة تجعلها غير صالحة للعيش.

(كوب28) وهدف 1.5 درجة مئوية

صدّق مؤتمر الأطراف (كوب28) على اتفاق دولي تاريخي غير مسبوق للتصدي لتداعيات التغير المناخي، حيث اتفقت الدول الـ198 على نص يدعو إلى “التحول عن الوقود الأحفوري في أنظمة الطاقة، بطريقة عادلة ومنظمة ومنصفة”.

كما أكد تقرير للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن العالم لا يزال قادراً حتى اللحظة على توفير المعرفة والأدوات اللازمة للحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية، بما في ذلك معالجة الجوانب التكنولوجية بالإضافة إلى الاستراتيجيات السياسية والاقتصادية.

وينبغي للبشر في سبيل الوصول لهذا الهدف الأخذ في الاعتبار مجموعة من الخطوات المهمة، أبرزها:

– تخلي الاقتصاد العالمي عن الوقود الأحفوري (النفط والغاز والفحم).

– التحول إلى الطاقة النظيفة، ومنها الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وغيرها من مصادر الطاقة غير الكربونية.

– خفض الطلب على الوقود بتحولات جذرية في قطاع النقل العالمي والتوسع في استخدام السيارات الكهربائية.

– إعادة تصميم المدن والضواحي بطرق تناسب تلبية احتياجات السكان من خلال النقل الجماعي وركوب الدراجات والمشي وما إلى ذلك.

– إزالة الكربون من قطاع الكهرباء، ومنع استخدام الغاز في محطات التوليد، واستبداله بالطاقة الشمسية وغيرها من الطاقة النظيفة.

– زيادة الغطاء النباتي العالمي وتخزين الكربون في الأشجار والتربة.

– التوعية باتجاه السلوكيات الصديقة للبيئة والموفرة للطاقة.

التمويل والتعهدات

نشر برنامج الأمم المتحدة للبيئة مؤخراً مسودة مشروع أممي بشأن التكيف أشار إلى أنه لم يُحرَز تقدم يذكر بشأن (CGA) “Climate Goal for Adaptation” على مدى السنوات الست الماضية، ويحث البلدان المتقدمة على مضاعفة التمويل من مستويات عام 2019 بحلول عام 2025.

وحدد التقرير الأممي 7 طرق لزيادة التمويل، بما في ذلك الإنفاق المحلي والتمويل الدولي وتمويل القطاع الخاص.

وتشمل السبل الإضافية التحويلات المالية، وزيادة التمويل وتكييفه للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، وإصلاح الهيكل المالي العالمي على النحو الذي اقترحته “مبادرة بريدجتاون”، وتنفيذ المادة 2.1 (ج) من اتفاق باريس بشأن تحويل تدفقات التمويل نحو مسارات تنمية منخفضة الكربون ومقاومة للمناخ، وإصلاح الهيكل المالي العالمي.

ولكن مع تسارع التأثيرات المناخية، فإن الفجوة المالية لجهود التكيف أكبر بنسبة 50% على الأقل مما كان يعتقد، ويؤدي الفشل في تعزيز التكيف إلى آثار هائلة بشأن الخسائر والأضرار.

ونتيجة للاحتياجات المتزايدة لتمويل التكيف وتعثر التدفقات، تقدر الفجوة الحالية في تمويل التكيف الآن بما يتراوح بين 194 و366 مليار دولار سنوياً.

وسيكون صندوق الخسائر والأضرار الذي تم إقراره في أول أيام (كوب28) أداة هامة لتعبئة الموارد، وسيحتاج الصندوق إلى التحرك نحو آليات تمويل أكثر ابتكارا للوصول إلى الحجم اللازم للاستثمار.

بناء الثقة واستعادة الأمل

عودة إلى رسالة غوتيريش في مستهل 2024 التي أكدت أنه “لا فائدة ترجى من الإشارة بأصابع الاتهام أو تصويب البنادق، فالإنسانية تكون في أقوى حالاتها عندما نتساند، ويجب أن يكون عام 2024 عاماً لإعادة بناء الثقة واستعادة الأمل”، مضيفة “يجب أن نمد جسور التلاقي فوق الانقسامات للتوصل إلى حلول مشتركة، من أجل التعامل مع مشاكل المناخ، وإتاحة فرص اقتصادية وإقامة نظام مالي عالمي أكثر عدلا يعود بالفائدة على الجميع”.

المصدر: العين