«الأمطار البلاستيكية»… هل بلغ التلوث عنان الغيوم؟

Dec 30, 2023

أثبتت دراسة علمية جديدة أن بعض جزيئات البلاستيك الصغيرة وصلت إلى الغيوم، وبدورها يمكن أن تؤدي إلى ما يُعرف بـ”هطول الأمطار البلاستيكية”.

منذ خمسينيات القرن الماضي، حين بدأت صناعة البلاستيك تتوسع، تراكم ما يقارب 5 مليارات طن من النفايات البلاستيكية في النظم البيئية المختلفة، بما في ذلك الغلاف الجوي والغلاف المائي والغلاف الترابي أو ما يُعرف بالقشرة الأرضية.

كيف شق البلاستيك طريقه إلى الغيوم؟

ينقسم البلاستيك إلى ثلاثة أنواع، اللدائن الكبيرة، واللدائن الدقيقة، واللدائن النانوية.

ويعد النوع الأول هو الأكبر حجماً، إذ يتجاوز أكثر من 5 ملليمترات، مثل الأكياس والحاويات البلاستيكية، أما النوع الثاني الذي ينتج عن تحلل النوع الأول، فهو ذو الأحجام الأقل من 5 ملليمترات، ككُريّات البلاستيك المستخدمة في مستحضرات التجميل، والأسمدة، وهو الأكثر تأثيراً في المناخ.

أما النوع الثالث الذي يُعرف باللدائن النانوية، فهو ما يقل حجمه عن 1 ميكرومتر، وهو نتاج تحلل النوع الثاني، كما أن لديه قدرة أكبر على اختراق الجدر الخلوية للكائنات الحية نظراً لصغر حجمه.

ويؤثر البلاستيك المتحلل في التغير المناخي حسب طريقة تحلله، إذ يخضع البلاستيك لأشكال مختلفة من التحلل تستغرق فترة طويلة قد تبلغ مليون عام، وهي التحلل الميكانيكي والتحلل الكيميائي والتحلل الحراري والتحلل الضوئي.

وفي الشكلين الأخيرين تتحول جزيئات البلاستيك من الحالة النافرة من الماء إلى المحبة للماء، وذلك عن طريق امتصاص البلاستيك للحرارة في الحالة الأولى وتعرضه للأشعة البنفسجية التي تؤكسد جزيئاته في الحالة الثانية، ما يجعل اللدائن الدقيقة أن تعمل كأنوية تُكثف بخار المياه الذي يكوّن السحب فيما بعد، ومن ثم يتسبب في هطول الأمطار البلاستيكية.

من ناحية أخرى، وكما يؤثر البلاستيك في التغير المناخي، يتفاوت مصيره ومدى تأثيره في النظم البيئية وفقاً لأربعة عوامل لتغيّر المناخ، على رأسها درجة الحرارة التي تجعل اللدائن الدقيقة تتجه إلى البحار والمحيطات، نتيجة ذوبان الجليد المختزن لها بسبب الاحترار العالمي.

كذلك تؤثر الرياح في مسيرة اللدائن الدقيقة، إذ تتجه إلى مسافات بعيدة عن مصدر البلاستيك الأساسي لها بسبب اتجاه الرياح وشدتها، كما أن معدل هطول الأمطار والفيضانات يؤدي باللدائن الدقيقة إلى المسطحات المائية القريبة، وعلى العكس، يؤدي الجفاف إلى تراكم اللدائن الدقيقة في التربة.

وقد أرجعت الدراسةُ التي نحن بصدد الحديث عنها مصدرَ لدائن البلاستيك الدقيقة التي وجدها العلماء في مياه الغيوم إلى مياه المحيطات، إذ انتقلت هذه اللدائن الدقيقة من المحيطات إلى الغلاف الجوي عبر ظاهرة الاستضباب (Aerosolisation)، وهي عملية تكوّن الهباء الجوي أو ما يعرف بالضباب، ويلعب رذاذ ملح البحر الذي يتكوّن عن طريق حركة الأمواج وانفجار فقاعات المياه دوراً أيضاً في هذه العملية، كما تسهم شدة الرياح وسرعتها في نقل هذه اللدائن الدقيقة عبر الغلاف الجوي.

كان العلماء قد جمعوا مياه الغيوم من على قمتَي جبلَي فوجي وأوياما في اليابان، ثم حلّلوها باستخدام تقنيات تصوير متطورة لمعرفة خصائص المواد التي تحويها، وتوصلوا إلى تلك النتائج.

أثر جزيئات البلاستيك في حياة الإنسان

تؤثر اللدائن الدقيقة والنانوية للبلاستيك بشكل مباشر في صحة الإنسان، إذ تسبب سُمِّية اللدائن الموجودة في الغلاف الجوي التي يتعرض لها الإنسان عن طريق الاستنشاق أو الابتلاع مشكلات صحية خطيرة، مثل القروح والتهاب الأنف واحتقان الرئة، وموت الخلايا وأمراض القلب والأوعية الدموية وأمراض المناعة الذاتية، والأمراض التنكسية العصبية.

ونظراً إلى قدرة تلك اللدائن على النفاذ من الجدران الخلوية فبإمكانها اختراق حاجز الدم في الدماغ فتؤذي الجهاز العصبي المركزي، وكذلك اختراق المشيمة والوصول إلى الأجنّة، كما تؤدي إلى إصابات في أنسجة الرئتين والأمعاء.

وعلاوةً على ذلك، تفتح الإضافات الكيميائية المرتبطة بجزيئات البلاستيك طريقاً للإصابة بمقاومة الإنسولين واضطراب خصائص الغدد الصماء والجهاز التناسلي الذكري، كما تعمل اللدائن وسائط لنقل الميكروبات إلى الجهاز الهضمي.

كذلك رُصد بعض اللدائن في لحوم وألبان ودماء الماشية، وفي بعض الكائنات البحرية، التي تدخل في سلسلة غذاء الإنسان.

أثر جزيئات البلاستيك في النبات والكائنات البحرية

ويؤثر البلاستيك في صحة الأحياء، إذ يقلل تراكم اللدائن الدقيقة في التربة معدلات إنبات البذور وارتفاع البراعم، ويُحدث تغيرات في بنية التربة وفي سعتها للمياه، كما يعرقل وجود جزيئات البلاستيك في الغلاف الجوي عملية تلقيح النباتات، إذ إن حجم تلك اللدائن يقترب من حجم حبوب اللقاح.

وبشكل خاص تؤثر جزيئات البلاستيك في النباتات المحلية في المناطق المدارية، لقلة تنوعها، وتلتصق المضادات الحيوية التي تُستخدم في الزراعة باللدائن الدقيقة، مما يسمح للبكتيريا بتطوير خصائص مقاومة للمضادات الحيوية.

أما بالنسبة إلى البحار والمحيطات، فتتأثر الأنواع السطحية بجزيئات البلاستيك أكثر من الأنواع القاعية، إلا أن البلاستيك يترسب في القاع بمرور الزمن مع تحلله، وكذلك تدخل جزيئات البلاستيك إلى أمعاء الأسماك، وتمتصها العوالق النباتية البحرية التي تقوم بعملية البناء الضوئي.

وقد أظهرت الأبحاث أن عملية البناء الضوئي قلَّت لدى العوالق النباتية بنسبة 45%، كما قلَّت قدرة العوالق الحيوانية على تحليل الكربون العضوي نتيجة امتصاصها للبلاستيك، مما يؤدي إلى احتباس ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي وزيادة الاحتباس الحراري.

يُشار إلى أنه قبل تحلل البلاستيك، يكون في حالة نافرة للماء، وفي هذه الحالة يكون جاذباً للميكروبات التي تشكّل أغشية حيوية حولها (Biofilms)، ومن ثم تنتشر في المياه وتتضرر منها الكائنات الحية، وبعد تحلله ينبعث غاز الميثان الذي يرفع حرارة المحيط.

ويتسبب احترار المحيطات، نتيجة تلوثها بالبلاستيك، وتغير المناخ في بياض الشعاب المرجانية نتيجة لطردها الطحالب التي تعيش في أنسجتها، مما يُفضي إلى موت أنواع من الشعاب المرجانية وانقراض أنواع أخرى، كما تؤدي الإضافات الكيميائية على البلاستيك إلى ارتفاع معدل الوفيات لدى الكائنات البحرية.

المصدر: تي آر تي عربي