حصاد 2023: تقدم وانتكاسات في حماية البيئة ومكافحة الاحترار

Dec 26, 2023

أكد العلماء أن عام 2023 كان الأكثر سخونة على الإطلاق؛ إذ بلغت مستويات الانبعاثات المسببة لظاهرة الاحتباس نتيجة حرق البشر مصادر الوقود الأحفوري مستويات غير مسبوقة.

وقال جون كينيدي، مستشار مستقل في شؤون المناخ، “إننا ننتقل من ظاهرة النينيا إلى ظاهرة النينيو. كنا نتوقع أن ترتفع درجات الحرارة على مستوى العالم بمعدلات منخفضة، لكنها ارتفعت بمعدل مثل مفاجأة للكثيرين”.

ورغم أن ارتفاع درجات الحرارة على أساس سنوي يقف وراءه تغيرات طبيعية، إلا أن العقد الماضي شهد ارتفاعاً عالمياً بمتوسط بلغ حوالي 1.2 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية.

وقال الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة للأرصاد الجوية (WMO)، بيتيري تالاس، “إن مستويات الغازات الدفيئة وغازات الاحتباس الحراري ودرجات الحرارة العالمية ومستوى سطح البحر قد سجلت جميعها أرقاماً قياسية جديدة، بينما انخفض الجليد البحري في المحيط المتجمد الجنوبي إلى مستوى قياسي. إننا أمام تنافر صارخ للأرقام القياسية المُحطَّمة”.

فيضانات وحرائق وجفاف

ولم يتوقف الأمر على موجات احترار عالمية قاسية بل امتد الأمر إلى تعرض الكثير من دول العالم لظواهر طقس متطرفة مرتبطة بظاهرة تغير المناخ.

فعلى مدى أكثر من خمسة أسابيع بداية من فبراير وحتى مارس، عبر الإعصار المداري فريدي، الذي يعدُ الأطول أمداً على الإطلاق والأكثر تدميراً في التاريخ، المحيط الهندي حيث وصل إلى اليابسة ثلاث مرات، ما تسبب في هطول أمطار غزيرة وفيضانات وانهيارات أرضية في مدغشقر وموزمبيق وملاوي.

وفي سبتمبر، أدت العاصفة دانيال إلى فيضانات شديدة في اليونان وبلغاريا وتركيا قبل عبور البحر المتوسط لتضرب ليبيا، ما أدى إلى تدمير مدينة درنة حيث قتلت الفيضانات ما لا يقل عن 5000 شخص وشردت عشرات الآلاف.

ويقول العلماء إن احتمالية حدوث الفيضانات الكبرى قد زادت 50 مرة بسبب تغير المناخ الناجم عن النشاط البشري.

تزامنت الفيضانات مع حدوث حرائق غابات أتت على الأخضر واليابس في الكثير من دول العالم؛ إذ شهدت كندا أسوأ موسم حرائق الغابات على الإطلاق دمرت أكثر من 18.5 مليون هكتار في جميع أنحاء البلاد وهي مساحة تتجاوز مساحة سوريا.

قبل عام 2023، كانت مواسم حرائق الغابات تسفر عن احتراق قرابة أكثر من مليوني هكتار.

ولم تكن كندا الاستثناء الوحيد؛ إذ شهدت هاواي وتشيلي وبلدان في جنوب أوروبا وجزر الكناري حرائق غابات مستعرة أسفرت عن تزايد وتيرة وضراوة مواسم الجفاف في مناطق عديدة.

ألمانيا تودع الطاقة النووية

في أبريل الماضي، أوفت ألمانيا بتعهد قطعته على نفسها المستشارة السابقة أنغيلا ميركل بعد كارثة فوكوشيما عام 2011 إذ أغلقت الحكومة آخر ثلاث محطات تعمل بالطاقة النووية.

ولاقت الخطوة إشادة من النشطاء في مجال البيئة رغم استمرار مشكلة النفايات النووية. ورغم الإشادة، إلا أن الخطوة لاقت أيضاً انتقادات؛ إذ أعربت منظمة ألمانية مؤيدة للطاقة النووية تُعرف باسم (KernD) عن رفضها إنهاء العمل بالطاقة النووية منخفضة الكربون في وقت “نشهد فيه زيادة حادة في توليد الطاقة عن طريق الفحم” بسبب أزمة الطاقة. وقال الناطق باسم المنظمة “تزايد الاعتماد على الطاقة النووية سيكون أكثر منطقية عن التخلي عنها بالنظر إلى أمن الإمدادات وحماية البيئة والمناخ، فضلاً عن القدرة التنافسية”.

وكانت أكثر من 120 دولة قد تعهدت في ختام مؤتمر المناخ (كوب28) بمضاعفة قدرات الطاقات المتجددة في العالم ثلاث مرات بحلول عام 2030، لكن عشرين دولة من بينها فرنسا والولايات المتحدة واليابان، أعلنت عن خطط لزيادة إنتاج الطاقة النووية بمعدلات كبيرة بحلول 2050 من أجل الوفاء بالتعهدات المناخية لا سيما تحقيق الحياد الكربوني.

«كوب28»… الابتعاد عن الوقود الأحفوري

وأثار اختيار الإمارات لاستضافة قمة المناخ العالمية الكثير من الجدل لكونها واحدة من أكبر البلدان المنتجة للنفط عالمياً بالتوازي مع الجدل الذي أثاره تعيينها سلطان الجابر، الرئيس التنفيذي لشركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) التي تعد إحدى أكبر شركات النفط في العالم، لقيادة القمة.

وبدأت المحادثات في (كوب28) بشكل إيجابي مع قرار بتفعيل “صندوق الخسائر والأضرار” لتعويض البلدان المتضررة من الكوارث المناخية فيما بلغت قيمة المساهمات الأولى حوالي 700 مليون دولار.

وقال خبراء إن هذا المبلغ مازال بعيداً عن الهدف المنشود وسط تقديرات بأن الصندوق في حاجة إلى الحصول على موارد مالية تتراوح قيمتها ما بين 150 إلى 400 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2030.

لكن البيان الختامي للمؤتمر لاقى ترحيباً دولياً كبيرا نظراً لأنه حمل في طياته اتفاقاً عالمياً على “الانتقال بعيدا” عن الوقود الأحفوري في سابقة هي الأولى من نوعها خلال قمم المناخ السابقة.

ووصف الرئيس التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، سيمون ستيل، الخطوة بأنها تمثل “بداية نهاية” عصر الوقود الأحفوري، لكن البيان الختامي لم يذكر موعد محدد بشأن التخلص التدريجي الكامل من النفط والغاز والفحم.

وإزاء ذلك، حذر ستيل من أن “الثغرات تجعلنا عرضة للمصالح الراسخة في قطاع الوقود الأحفوري، وهو ما قد يدمر قدرتنا على حماية الناس من تنامي التأثيرات المناخية في كل مكان”.

الاتحاد الأوروبي يقرر استعادة الطبيعة

وافق الاتحاد الأوروبي على قانون تاريخي للتنوع الحيوي يلزم الدول الأعضاء باستعادة 30% من مساحة الأراضي الرطبة والبيئات المائية الضحلة بحلول عام 2030.

وحدد القانون عام 2050 موعداً نهائياً لإصلاح الأضرار التي لحقت بالطبيعة في بلدان الاتحاد الأوروبي، ما يساهم في الوصول إلى الحياد المناخي وتعزيز القدرة على التكيف مع تغير المناخ.

الجدير بالذكر أن قرابة 80% من الموائل في جميع أنحاء القارة الأوروبية في حالة سيئة.

ورغم الترحيب بالقانون، إلا أن نشطاء في مجال البيئة أعربوا عن خيبة أملهم من نصوص التشريع الذي قوبل بمعارضة شرسة بسبب أنه يحمل في طياته الكثير من الإعفاءات، على حد تعبيرهم. وقال سابين ليمانز، الخبير في منظمة “الصندوق العالمي للطبيعة”، إن القانون “بعيد كل البعد عما يقوله العلم فيما يتعلق بما يتعين اتخاذه بشكل عاجل وضروري لمعالجة حالات الطوارئ المتعلقة بالمناخ والتنوع البيولوجي”.

ومن المتوقع أن يدخل القانون حيز التنفيذ مطلع عام 2024 بعد الموافقة عليه من البرلمان الأوروبي.

تزامن هذا مع موافقة الاتحاد الأوروبي على سلسلة من الإجراءات واسعة النطاق لمنع التلوث البلاستيكي الدقيق، فضلاً عن اعتماد قانون يقضي بحماية الغابات من خلال حظر استيراد المنتجات التي تساهم في عمليات إزالة الغابات.

وفي خطوة أثارت الكثير من الجدل، وافق الاتحاد الأوروبي على تجديد تفويض استخدام الغليفوسات -أشهر مبيدات الأعشاب على الاطلاق- لمدة عشر سنوات أخرى.

تراجع عمليات إزالة الغابات في الأمازون

وشكّل عام 2023 نقطة تحول بالنسبة للبرازيل حيث تعهد الرئيس، لولا دا سيلفا، بكبح جماح عملية إزالة غابات الأمازون التي ارتفعت في عهد سلفه المشكك في التغير المناخي، جايير بولسونارو.

ففي العام الأول من توليه زمام الأمور، بلغ معدل إزالة الغابات أدنى مستوياته منذ عام 2018 أي قبيل بدء رئاسة بولسونارو.

ورغم ذلك، دعا عدد من نشطاء البيئة إلى فرض ضوابط أكثر صرامة على الزراعة وصناعة اللحوم في منطقة غابات الأمازون التي تعد واحدة من أكبر الدفاعات ضد تغير المناخ، إذ تُعرف بـ”رئة الأرض” لأنها تنتج أكثر من 20% من الأكسجين في العالم.

المصدر: دي دبليو عربية