المدن الإيرانية تغرق بنازحين يهربون من التأثيرات المناخية

Dec 22, 2023

تتسبب درجات الحرارة القياسية وفترات الجفاف الطويلة وشحّ مياه الأنهار والبحيرات في نزوح عشرات الآلاف من الإيرانيين سنويا.

وغالبا ما يكون مهاجرو المناخ من المزارعين والعمال وصيادي الأسماك الذين ينتقلون مع أسرهم من الريف إلى المناطق الحضرية الكبرى بحثا عن موارد رزق بديلة.

ويرى المسؤولون الإيرانيون أن تفاقم ندرة المياه وزيادة التصحر يعدّان نتيجة لتغير المناخ. لكن الخبراء يقولون إن الأزمة تفاقمت بسبب سوء إدارة الحكومة والنمو السكاني السريع.

ويبقى عدد المهاجرين المناخيين غير محدد بدقة. وقدّرت وسائل الإعلام الإيرانية أن حوالي 42 ألف شخص اضطروا إلى الهجرة في 2022 بسبب آثار تغير المناخ، التي تشمل الجفاف والعواصف الرملية والترابية والفيضانات والكوارث الطبيعية. وكان العدد يقارب 41 ألفا في 2021.

وبحسب تقرير لأويل برايس، فإن الأرقام الحقيقية قد تكون أعلى من ذلك بكثير حيث يتوقع مغادرة عدد متزايد من الإيرانيين المناطق الريفية حيث تصبح المزيد منها غير صالحة للسكن مع توسع الأراضي القاحلة أو شبه القاحلة.

وقال محمد رضا فاطمي، عالم البيئة المقيم في طهران، لإذاعة أوروبا الحرة إن التغير يعدّ مرئيا لكون إيران شديدة الجفاف ولشحّ الأمطار ولكون جزء كبير من البلاد صحراء. وأكّد أن أدنى تغيير في المناخ يؤثر على السكان.

وذكر مثال جفاف الأراضي الرطبة والبحيرات في مقاطعة سيستان – بلوشستان جنوب شرق إيران.

وكانت أراضي هامون الرطبة مصدرا رئيسيا للغذاء ومثّلت مورد رزق للآلاف من الأشخاص، لكن تراجع مساحاتها ​جعل العديد من السكان المحليين يهاجرون إلى المدن.

وقال فاطمي “كان الكثير من الناس يعيشون في تلك المناطق لكنهم انتقلوا إلى عاصمة المحافظة زاهدان وإلى مدينة زابل”. وأكّد أن الكثيرين ينتقلون من هذه المدن إلى مقاطعات أخرى.

وقدر عالم البيئة مهدي زرغامي من جامعة تبريز مؤخرا أن حوالي 10 آلاف أسرة غادرت زابل إلى أجزاء أخرى من إيران خلال العام الماضي بسبب الجفاف والعواصف الرملية.

وقدّر فاطمي أن تكون حوالي 70% من الهجرة الداخلية في إيران مدفوعة بآثار تغير المناخ. وقال “دخلنا مرحلة الأزمة وقد يكون المستوى التالي هو الكارثة”.

فقر مائي

حذّر بعض المسؤولين الإيرانيين من أن أجزاء كثيرة من إيران قد تصبح في النهاية غير صالحة للسكن، ما سيؤدي إلى نزوح جماعي من الدولة ككل.

وحذّر المسؤولون في يوليو من أن أكثر من مليون هكتار من أراضي البلاد (أي ما يعادل تقريبا مساحة محافظة قم أو لبنان) تصبح غير صالحة للعيش سنويا.

وفي 2018، قال وزير الداخلية آنذاك، عبد الرضا فضلي، إن الجفاف وندرة المياه يمكن أن يكونا سبب “الهجرة الجماعية”، ويؤديان في النهاية إلى “كارثة”.

وتعد إيران من بين الدول الأكثر عرضة لتغير المناخ في الشرق الأوسط، الذي ترتفع فيه درجة الحرارة بمعدل ضعف المتوسط ​​العالمي.

وقال أحد فازيفة، من مركز الأرصاد الجوية الإيراني، في أكتوبر، إن متوسط ​​درجات الحرارة في إيران ارتفع بمقدار درجتين خلال نصف القرن الماضي.

لكن الخبراء يقولون إن تغير المناخ ليس سوى جزء من الأزمة البيئية التي تتصارع إيران معها.

وكانت جهود طهران الفاشلة لمعالجة ندرة المياه، بما في ذلك بناء السدود ومشاريع الري كثيفة الاستخدام للمياه، سبب جفاف الأنهار وخزانات المياه الجوفية.

وقال كافيه مدني، وهو مدير معهد جامعة الأمم المتحدة للمياه والبيئة والصحة، إن “إفلاس المياه” في إيران قد تفاقم بسبب سوء إدارة الحكومة وبناء العشرات من السدود.

وأضاف أن استهلاك إيران يفوق مصادر المياه الطبيعية التي تتمع بها. وذكر أن هذا يدفع السلطات إلى اعتماد مصادر المياه الجوفية. واعتبر ذلك مساهما رئيسيا في جفاف الأراضي الرطبة والأنهار الذي سارع تغير المناخ وتيرته.

وتوقع مدني، وهو النائب السابق لرئيس إدارة البيئة الإيرانية، أن “ترتفع درجات الحرارة ويتزايد الغبار وتآكل التربة والتصحر”.

وظهر في صورة ملتقطة في 2018 رجل يمر بدراجته تحت جسر “سي وسه بل” المشيّد قبل 400 سنة، الذي سمي إشارة إلى أقواسه الثلاثة والثلاثين، والذي يمتد الآن على نهر زايندة رود الجاف في أصفهان.

وأثار سوء إدارة الحكومة لموارد المياه الشحيحة في إيران احتجاجات غاضبة خلال السنوات الأخيرة، خاصة في المناطق الأكثر تضررا من الجفاف.

كما أشعلت ندرة المياه الصراعات. وتواجهت إيران وأفغانستان في اشتباكات مميتة عبر الحدود في مايو بعد أن طالبت طهران جارتها بإطلاق المزيد من المياه من المنبع لتغذية الأراضي الرطبة المهددة بالجفاف في جنوب شرق إيران.

مشاكل اجتماعية

يقول بعض الخبراء إن النمو السكاني السريع في إيران ساهم في الأزمة البيئية أيضا، رغم تباطئه خلال السنوات الأخيرة.

وتضاعف عدد سكان إيران منذ الثورة الإسلامية في 1979، وارتفع من حوالي 35 مليونا إلى حوالي 88 مليونا. ويقيم 70% من السكان في المدن.

ويقول الخبراء إن الهجرة المناخية فرضت ضغطا متزايدا على البنية التحتية وخلقت مشاكل اجتماعية واقتصادية في المدن الإيرانية، بما في ذلك ارتفاع الفقر والتشرد والاكتظاظ.

وقال الباحث محمد رضا محبوبفر، إن طهران كانت وجهة رئيسية للعديد من مهاجري المناخ في البلاد. وأكّد أن عدد سكان طهران يتجاوز الـ15 مليون نسمة حسب المسؤولين لكنه في الحقيقة قد يصل إلى 30 مليونا.

وأضاف أن “التنمية غير المتوازنة” تسببت في “غرق طهران في المشاكل الاجتماعية”.

ودفع هذا التدفق بعض سكان طهران الأثرياء إلى الانتقال إلى المحافظات الشمالية في البلاد، وهي منطقة خصبة تدعم بحر قزوين.

وقال أحد سكان طهران “تقضي والدتي، التي تعاني من مشكلة في القلب، الآن معظم وقتها في منزلنا في نوشهر”، عاصمة مقاطعة مازندران.

وقالت واحدة من السكان “أريد أنا وزوجي أن ننتقل إلى تلك المدينة بمجرد تقاعدنا حتى نهرب من سوء الأحوال الجوية والتلوث في طهران”.

وقال مسؤول الشؤون القانونية في منظمة الغابات والمراعي الإيرانية، رضا أفلاطوني، في أغسطس، إن حوالي 800 ألف شخص هاجروا إلى مازندران خلال العامين الماضيين.

وأكّد المسؤولون المحليون أن مازندران تكافح لاستيعاب التدفق الكبير من النازحين.

المصدر: صحيفة العرب