هل بوسع «احتجاز الكربون» أن يُبقي على استخدام الوقود الأحفوري؟

Dec 16, 2023

انتهى مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ (كوب28) باتفاق على البدء في خفض الاستهلاك العالمي للوقود الأحفوري تجنبا لعواقب تغير المناخ السيئة، وذلك في أول اتفاق من نوعه.

ويهدف الاتفاق الذي توصل إليه ممثلو ما يقرب من 200 دولة، بعد مفاوضات شاقة لأسبوعين، إلى توجيه رسالة قوية إلى المستثمرين وصناع السياسات مفادها أن العالم متحد الآن في الرغبة بالتوقف عن استخدام الوقود الأحفوري، وهو أمر يقول العلماء إنه آخر أمل لدرء كارثة التغير المناخي.

وتؤكد العديد من الدول الكبرى التي تعهدت بالوصول إلى صافي الانبعاثات الصفري بحلول منتصف القرن (وخاصة الدول الكبرى المنتجة للنفط والغاز) نيتها لتحقيق صافي الانبعاثات جزئيا عبر “احتجاز الكربون وتخزينه”.

وتشمل هذه التقنية احتجاز الغاز الذي يسخّن الكوكب حين يبعث من محطات توليد الطاقة بالوقود الأحفوري والمنشآت الصناعية والمصادر المماثلة، وذلك قبل ضخه في مخزن دائم تحت الأرض.

لكن المنتقدين يقولون إن الخطط الوطنية الهادفة إلى تحقيق صافي الانبعاثات الصفرية تتوقع زيادة كبيرة في استخدام تكنولوجيا احتجاز الكربون وتخزينه مقارنة بما يتواصل تطويره بالفعل، وأن التكنولوجيا المكلفة ستعجز عن التقاط ما يكفي من الانبعاثات للحفاظ على الأهداف.

وحذّر المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية، فاتح بيرول، قبل انعقاد مؤتمر (كوب28)، من أن صناعة النفط والغاز يجب أن “تتخلى عن الوهم القائل بأن احتجاز كميات كبيرة من الكربون بشكل غير معقول هو الحل”.

كما تعرضت الدول المنتجة للوقود الأحفوري لضغوط غير مسبوقة في مؤتمر (كوب28) للموافقة لأول مرة على “التخلص التدريجي” من استخدام الوقود الأحفوري باعتباره أساسا لأنظمة الطاقة العالمية.

وتتسبّب انبعاثات الوقود الأحفوري المتزايدة في تسخين الكوكب بسرعة وتُسبّب كوارث طبيعية أكثر تكلفة وخطورة، مثل الأعاصير والجفاف والفيضانات وحرائق الغابات، بالإضافة إلى تأثيرات أخرى مثل ارتفاع مستوى سطح البحر.

ويُتوقع الحد من الاحترار العالمي وإبقاؤه عند درجة 1.5 درجة مئوية بحلول 2027 كما تنص اتفاقية باريس، مع خطر إثارة “نقاط تحول” عالمية كارثية. ويؤكد العلماء وجوب التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري بسرعة لصالح مصادر الطاقة المتجددة.

ولا يرى يوهان روكستروم، الذي يشغل منصب مدير معهد بوتسدام لأبحاث تأثير المناخ، الحد من الاحترار العالمي هدفا، كما أكّد في حديثه للصحافيين في مؤتمر (كوب28) أنه “حد مادي”. لكن العديد من الدول المنتجة للنفط والغاز تقول إن التركيز يجب أن يتحوّل إلى استخدام التكنولوجيا مثل احتجاز الكربون وتخزينه للقضاء على الانبعاثات المسببة لتغير المناخ، وليس بالضرورة الوقود الأحفوري نفسه.

مؤخرا بدأت تتضاعف الاستثمارات في مجال احتجاز الكربون لمعالجة الانبعاثات الصادرة عن محطات الطاقة والمنشآت الصناعية، أو امتصاص كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون من الهواء مرة أخرى لدفع درجات الحرارة إلى الانخفاض إلى ما دون 1.5 درجة مئوية.

وسجّل المعهد العالمي لاحتجاز الكربون وتخزينه حوالي 41 مشروعا نشطا حول العالم، بالإضافة إلى أكثر من 350 مشروعا قيد التطوير.

وأشار المعهد إلى أن الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا والصين والنرويج تعدّ من الدول الرائدة في تطوير هذه المشاريع.

لكن وكالة الطاقة الدولية أكّدت قبل (كوب28) أن هذا الاستثمار المتزايد يبقى أقل من المطلوب للوفاء بالتزامات صافي الانبعاثات الحالية.

كما لا تلتقط تكنولوجيا احتجاز الكربون وتخزينه جميع الانبعاثات الصادرة عن محطات توليد الطاقة أو المنشآت الصناعية الملوِّثة.

وقال أوليفر جيدن، وهو خبير إزالة الكربون في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن ما لا يقل عن 10% من الانبعاثات الصادرة عن محطات الفحم التي تعدّ الأكثر تلويثا لا تزال تتسرب عند احتجاز الكربون وتخزينه، كما يرى أن الدفع المتواصل خلال (كوب28) للسماح باستمرار استخدام الوقود الأحفوري “المخفف” باعتماد تقنيات كهذه يمكن أن يواصل ضخّ كميات كبيرة من انبعاثات الكربون نحو الغلاف الجوي، خاصة إذا لم يصدر تعريف دقيق يحدد ماهية هذا الوقود “المخفف”.

وحذّرت مجموعة المناصرة “أويل تشينج إنترناشيونال” من أن القبول باحتجاز الكربون وتخزينه بنسبة منخفضة في حدود 51% يصبح طوق نجاة لإنقاذ صناعة الوقود الأحفوري، وليس للبشر والكوكب.

وأشارت المجموعة في بيان في مؤتمر (كوب28) إلى أن “لتقنية احتجاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه سجلا حافلا يمتد لـ50 عاما من الوعود والتقصير في التنفيذ، بينما يوفر كل استثمار فيها إنقاذا لصناعة الوقود الأحفوري”.

ويقول علماء المناخ إن اعتماد تكنولوجيا احتجاز الكربون وتخزينه أصبح حيويا في محاولة مواجهة التجاوز المتوقع لهدف الـ1.5 درجة مئوية.

ولكنهم يرون وجوب تخصيص هذا النهج للصناعات التي يصعب أن تتواصل اليوم بمصادر الطاقة المتجددة دون غيرها، مثل صناعة الصلب أو الأسمنت. كما يؤكدون وجوب الاحتفاظ بخزانات تخزين الكربون المحدودة تحت الأرض احتياطيا لمكافحة ثاني أكسيد الكربون الذي سيحتاج العالم إلى تنقية الهواء منه في المستقبل.

ومن المرجح أن يكون ذلك بتقنية “الالتقاط المباشر للهواء” المكلفة والقادرة على عكس تجاوزات درجات الحرارة الخطيرة.

ويقول العلماء إن زراعة الأشجار والنباتات التي تمتص ثاني أكسيد الكربون قبل حصاد تلك “الكتلة الحيوية” وحرقها في محطات الطاقة، مع احتجاز الانبعاثات وتخزينها تحت الأرض، يمكن أن تكون وسيلة أخرى لتحقيق “الانبعاثات السلبية” التي ستكون هناك حاجة إليها.

وقالت الباحثة في معهد ستوكهولم للبيئة، بلوي أشاكوليسوت، خلال فعاليات (كوب28) إن اقتراب العالم الخطير من تجاوز درجة الـ1.5 درجة مئوية يعني تقلص القدرة على الاختباء وراء احتجاز الكربون وتخزينه وغيره من تقنيات إزالة هذا العنصر لمواصلة التوسع في إنتاج الفحم والنفط والغاز.

وتعدّ تكلفة احتجاز الكربون وتخزينه لمواصلة استخدام الوقود الأحفوري مصدر قلق آخر.

ووجدت الأبحاث التي أصدرتها كلية أكسفورد سميث للمؤسسات والبيئة في القمة أن استخدام التقنية بشكل محدود مع المزيد من مصادر الطاقة المتجددة لبلوغ الصافي الصفري بحلول 2050 سيكلف أقل بمقدار تريليون دولار سنويا من استخدام المزيد من الوقود الأحفوري مع الاعتماد على احتجاز الكربون وتخزينه.

وتتردد الدول ذات الاقتصادات المبنية على إنتاج النفط وصادراته في التخلي عن أرباحها الضخمة. وبلغت في 2022 أكثر من 200 مليار دولار، مشكّلة ضعف المبلغ الذي حققته في 2021.

ويبقى تحول الاقتصادات السريع بعيدا عن الوقود الأحفوري المدمر للمناخ في المقابل تحديا مكلفا يتطلب تغييرات في نمط الحياة لا يرغب الكثيرون في اتباعها.

لكن نيكي ريش، التي تدير برنامج المناخ والطاقة في مركز القانون البيئي الدولي ومقره الولايات المتحدة، قالت إن الضغط الذي تبذله الدول المنتجة للنفط والغاز لـ”تخفيف” استخدام الوقود الأحفوري لا يتجاوز “الغسيل الأخضر”، ولا ترى أي قدرة لاحتجاز الكربون أو تعويضه على جعل الوقود الأحفوري صديقا للمناخ.

كما وصفت الرئيسة الأيرلندية السابقة، ماري روبنسون، وهي اليوم مناصرة للعدالة المناخية، الوقود الأحفوري المخفف بالحل الزائف الذي “يوفر ثغرة لاستمرار الانبعاثات”.

وقالت روبنسون، التي تشغل منصب رئيسة مجلس الحكماء، الجامع للقادة الناشطين في قضايا السلام والعدالة والاستدامة، لموقع كونتكس إن “الاعتماد على هذه الحلول الافتراضية يشبه تفريغ الماء بالدلو عوضا عن سد الفجوة”، مضيفة “يجب أن نواجه ما يضرنا، وهو الوقود الأحفوري”.

وحذر بيرول من أن “صناعة النفط والغاز واجهت لحظة الحقيقة في (كوب28)”، مضيفا “يعتبر الاستمرار في العمل كالمعتاد عملا غير مسؤول على المستوى الاجتماعي أو البيئي في ظل معاناة العالم من آثار أزمة المناخ المتفاقمة”.

المصدر: صحيفة العرب