مجتمع الصحة العالمي يدعو إلى اتخاذ إجراءات عاجلة بشأن المناخ والصحة في «كوب28»

Nov 30, 2023

في غمرة الاستعداد للدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ، ترفع منظمة الصحة العالمية صوتها، إلى جانب مجتمع الصحة العالمي، من أجل ضمان أن تحتل مسألة أثر تغير المناخ على الصحة مركز الصدارة أثناء المفاوضات. حيث أن من الضروري توسيع نطاق التركيز على صحة الإنسان في المناقشات العالمية، وإرغام المفاوضين على الاعتراف بأنهم يتحملون المسؤولية عن صحة البشر.

وقال الدكتور تيدروس غيبريسوس، المدير العام للمنظمة، “إن إعطاء الأولوية للصحة ليس مجرد خيار، بل هو أساس المجتمعات القادرة على الصمود. ويجب على القادة أن يحققوا نتائج في مؤتمر (كوب28)، وأن يوفّروا المتطلبات الصحية القوية التي تتوقعها شعوبهم وتحتاج إليها اقتصاداتهم بشكل عاجل. ويجب علينا أن نغيّر الخطاب ونبرز الفوائد الجمّة لعملٍ مناخي أكثر جرأة على صحتنا”.

وتعطي الظواهر الجوية القصوى التي شهدها العالم في الأشهر الأخيرة نظرة مرعبة عما ينتظرنا في عالم سريع الاحترار. ويشير تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ إلى أن حوالي 3,5 مليار شخص -أي ما يقرب من نصف عدد البشر- يعيشون في مناطق معرضة بشدة لتغيّر المناخ. ووفقاً للأرقام الصادرة عن المنظمة، فإن عدد الوفيات المرتبطة بالحرارة بين الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 65 عاماً قد ارتفع بنسبة 70% على الصعيد العالمي خلال عقدين. ويُعد بذل جهود جبارة ومكرَّسة للحد من الاحترار إلى 1.5 درجة مئوية السبيل الوحيد لتفادي مستقبل أسوأ بكثير مما نشهده حالياً.

كما أن الظواهر الجوية القصوى المتكررة والمتزايدة الشدة، مثل الجفاف والفيضانات وموجات الحر، ستؤدي إلى إجهاد البنية التحتية للرعاية الصحية. وتشير توقعات البنك الدولي إلى أنه ما لم تُتخذ إجراءات جريئة وفورية، يمكن أن يسفر تغير المناخ عن تشريد ما يقرب من 216 مليون شخص بحلول عام 2050.

وبينما تعرّض أزمة المناخ أرواح الناس وسُبل العيش للخطر، فإن النظم الغذائية العالمية تواجه صعوبات في دعم عدد متزايد من السكان، فيما يؤدي تناقص مصادر المياه إلى تفاقم التحديات. وبالتوازي مع ذلك، فإن تغيّر المناخ يحفز تزايد انتشار الأمراض المعدية مثل حمى الضنك والكوليرا، ما يعرّض ملايين الأشخاص للخطر. لقد حان الوقت لاتخاذ إجراءات حاسمة وتعاونية من أجل التخفيف من وطأة آثار أزمة المناخ على الصحة وبناء مستقبل مستدام للجميع.

ونظراً لأن تغيّر المناخ يشكل تحدياً غير مسبوق للنظم الصحية في العالم بأسره، فمن الضروري أيضاً أن نعزّز نظمنا لتصبح منخفضة الكربون ومستدامة وقادرة على الصمود. ومن شأن عدم اتخاذ إجراءات فورية أن يجعل النظم الصحية في العالم عرضة للآثار الكاسحة لتغيّر المناخ.

إن تغير المناخ ليس تهديداً بعيد المدى، بل هو خطر ماثل في الوقت الحاضر، خطرٌ يؤثر على صحتنا على جبهات متعددة. ويؤكد المجتمع الصحي أن تغير المناخ يؤثر بالفعل على صحتنا، ما يسهم في انتشار الأمراض المعدية والأمراض المنقولة بالنواقل. وهناك حاجة ملحة لأن يفهم المفاوضون أن تغير المناخ يشكل تهديداً مباشراً للصحة العالمية، لم يعد من الممكن تجاهله أو التقليل من شأنه.

إن تكييف نظمنا الصحية يستلزم رفع مستوى التدخلات الرئيسية مثل تلك المتعلقة بمكافحة النواقل والترصد الوبائي وإتاحة خدمات المياه والصرف الصحي المأمونة. وبالإضافة إلى ذلك، يعد تدريب العاملين الصحيين أمراً بالغ الأهمية، وثمة حاجة إلى الدعم من أجل مواءمة النظم الصحية مع الإرشادات الواردة في إطار المنظمة التشغيلي لبناء نظم صحية منخفصة الكربون وقادرة على تحمّل تغيّر المناخ.

وللحد من الأثر السلبي لتغيّر المناخ على الصحة، يشدّد المجتمع الصحي على أهمية خفض الانبعاثات ووقفها. ووفقاً للمنظمة، فإنه تعزى 7 ملايين حالة وفاة مبكرة كل سنة إلى تلوّث الهواء. ومن الضروري اتخاذ تدابير عاجلة لتخفيف الآثار، بما فيها الانتقال إلى مصادر الطاقة النظيفة، من أجل حماية صحة البشر وتحقيق حصائل مستدامة.

ويقر المجتمع الصحي بدور النظم الصحية في المساهمة في الانبعاثات، ويدعو إلى تعميم مراعاة البيئة في قطاع الصحة. ويشمل ذلك إزالة الكربون من النظم الصحية ورقمنة الطب وتنفيذ ممارسات مستدامة في المستشفيات ومرافق الرعاية الصحية من أجل الحد بدرجة كبيرة من الانبعاثات العالمية المنسوبة إلى قطاع الصحة والبالغة نسبتها 5%.

ويحصل أكثر من مليار شخص في العالم على خدمات مرافق الرعاية الصحية في ظل إمدادات غير موثوق بها من الطاقة الكهربائية أو منعدمة تماماً. وبالنسبة للبلدان المنخفضة الدخل التي تفتقر إلى الطاقة الكهربائية، يدعو المجتمع الصحي إلى تسريع وتيرة الحصول على الطاقة النظيفة. وتعمل المنظمة مع الشركاء على التعجيل بإمداد مرافق الرعاية الصحية بالطاقة الكهربائية من خلال مصادر الطاقة المتجددة ومواءمة الإمدادات الطبية وإحداث تغيير تحوّلي صوب مصادر طاقة أنظف وخدمات أفضل وتقليل الاعتماد على الديزل والغاز.

الاعتراف بالتفاوتات المالية بين النظم الصحية

وإذ يُقر المجتمع الصحي بالفجوة المالية التي تتخلل النظم الصحية، فإنه يدعو إلى زيادة التمويل من مصادر جديدة، والتي تكمن في الدعوة إلى وقف الاستثمار في الوقود الأحفوري وإنهاء الدعم المقدم له، وتعبئة أموال جديدة لغرض دعم النظم الصحية في التصدي لتغير المناخ.

إن التحالف من أجل العمل على إحداث التحول في المناخ والصحة الذي تقوده المنظمة يكرّس جهوده في سبيل تحقيق الأهداف المحددة خلال مؤتمر (كوب28) عن طريق تسخير التأثير الجماعي للدول الأعضاء في المنظمة والجهات صاحبة المصلحة لغرض النهوض بالنظم الصحية القادرة على تحمّل تغيّر المناخ. كما يركز التحالف على تحديد الاحتياجات من أجل التمويل.

وفي الوقت الذي يواجه فيه قطاع الصحة تحديات غير مسبوقة، بات من الضروري معالجة التفاوت الصارخ في الدعم المالي. وفي الوقت الراهن، لا يتلقى القطاع سوى 0.5% من التمويل العالمي المخصّص للتصدي لتغير المناخ. ولمواجهة التحديات العديدة المقبلة على نحو فعال، والتي تتراوح من الأزمة الصحية العالمية المستمرة إلى المشهد المتغير باستمرار للبحوث الطبية والتقدم التكنولوجي، فإن زيادة الموارد بصورة كبيرة ليست مبررة فحسب، بل إنها ضرورية. وبفضل مضاعفة الدعم المالي، يمكننا أن نعزز قدرة القطاع على الابتكار والتكيّف وتوفير الرعاية المثلى، وبالتالي ضمان إرساء بنية تحتية للرعاية الصحية قادرة على الصمود أمام التحديات الراهنة وأوجه عدم اليقين في المستقبل.

نداء المنظمة العاجل إلى العمل المناخي والصحي

بينما يوحّد العالم صفوفه بمناسبة مؤتمر (كوب28)، يدعو المجتمع الصحي إلى اتخاذ إجراءات حاسمة. ونحث المفاوضين على الاعتراف بأن العمل المناخي هو عمل صحي، وأن عدم مواجهة هذا الواقع سيكون له عواقب وخيمة على الأجيال الحالية والمقبلة.

إن دعوة المنظمة إلى العمل تُوحّد صفوف المجتمع الصحي في المطالبة بالالتزام ببناء نظم صحية قادرة على الصمود، وخفض الانبعاثات، وإعطاء الأولوية للصحة.

يوم الصحة والجلسة الوزارية

يهدف يوم الصحة خلال مؤتمر (كوب28)، الذي يعد الأول من نوعه، إلى الارتقاء بالمكانة العالمية للعلاقة بين المناخ والصحة ودمج الصحة في برنامج عمل تغير المناخ. ولأول مرة، سيحضر عدد قياسي من وزراء الصحة مؤتمر (كوب28). ويؤكد حضور عدد كبير من وزراء الصحة على الالتزام بإعطاء الأولوية للصحة في سياق المناقشات بشأن المناخ ويعزّز التزامنا ببناء مستقبل أوفر صحة وأكثر استدامة. وتَعِد الجلسة الوزارية بالتركيز على مدى الحاجة الملحة إلى العمل عن طريق الجمع بين قادة العالم لتنفيذ حلول مستدامة. وسيركز هذا التجمّع التاريخي على التداخل الحاسم بين الصحة وتغير المناخ.

المصدر: منظمة الصحة العالمية