«كوب28» بين التطلعات والتحديات

Nov 28, 2023

أيام معدودة وتنطلق اجتماعات مؤتمر (كوب28) في دولة الإمارات، وذلك في ظروف سياسية دولية بالغة الصعوبة في ظل أحداث أوكرانيا أوروبياً، وما ترتبط بها من توترات غربية روسية، ومنافسة وشد وجذب أميركي- صيني، حول شكل النظام الدولي المعاصر والريادة فيه، ما أثر سلباً في التعاون الضروري في ما بين الدول الكبرى، واستعدادها للقيام بالدور الريادي المطلوب في الساحة الدولية، لكي يتم التعامل بنجاح مع القضايا العالمية الكبرى والمتشعبة، بين اعتبارات فنية مثل البيئة والتغير المناخي، وأخرى أكثر اتساعاً مثل التنمية المستدامة وفقر الموارد الطبيعية، فضلاً عن العسكرة والاستقطاب الذي نشهده في علاقات الدول الكبرى.

وينعقد المؤتمر في الشرق الأوسط وغزة تدمر بوحشية، وأهلها بين قتلى وجرحى ومهجرين ومشردين، نتيجة لاستمرار الاحتلال الإسرائيلي عقوداً طويلة، والتحدي السافر وبالغ الخطورة من الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة على غزة، وما ارتبط بها من قتلى وجرحى بالآلاف، وتهجير أكثر من نصف سكان القطاع، الأمر الذي أدى إلى وجود مناخ غير مواتٍ على الإطلاق لتحفيز المجتمع الدولي عامة والشرق الأوسط خاصة للتفاهم من أجل المصلحة العامة، أو تبني نظرة إقليمية متعددة الأطراف، لقضية عالمية عابرة الحدود وجامعة المصالح ومتنوعة الأخطار مثل التغير المناخي.

مع كل هذه الصعوبات ينعقد مؤتمر (كوب28) للتعامل بشكل عاجل مع قضية التغير المناخي باعتبارها قضية مهمة وضاغطة، وصلت إلى مفترق طرق خطر وحساس، مع دخول المجتمع الدولي عصر “الغليان”، كما جاء على لسان سكرتير عام الأمم المتحدة، نتيجة ارتفاع معدلات درجات الحرارة العالمية، بما يتجه نحو زيادة تصل إلى 2.6 مئوية، في الوقت الذي يظل فيه الهدف المنشود عدم تجاوز الزيادة عن 1.5 مئوية.

وإزاء كل هذه التطورات؛ تلقى العالم ما صدر عن قمة رؤساء الصين والولايات المتحدة أخيراً في سان فرانسيسكو، في ما يخص عزم الدولتين التعاون للحد من الانبعاثات السامة وتداعياتها الخطرة على التغيير المناخي، وعلى وجه الخصوص التعاون لتخفيض انبعاثات غاز الميثان، وهو المصدر الثاني من حيث كمية الانبعاثات الضارة، حيث اتفقا على التعاون لزيادة الطاقة المتجددة ثلاثة أضعاف ما هي عليه الآن على حساب الطاقة المولدة من الوقود الأحفوري.

وبغية إحراز تقدم في مكافحة التغير المناخي يدعو المتخصصين إلى تبني نظرة أوسع للقضية تتجاوز مسألة البيئة ذاتها، لذا يؤكد منظمو (كوب28) على خمس عناوين رئيسة لهذه الدورة من الأطراف المتعاقدة، ألا وهي التكنولوجية والابتكار والتضمين والمشاركة الجامعة، مع مراعاة المجتمعات الأكثر تضرراً، وتوفير التمويل اللازم للتحول للبيئة المتجددة، وتأمين المرونة والصمود للمنظومة الغذائية أمام التحديات المرتبطة بالتغير المناخي، وقد يصدر إعلان خاص بخصوص مسألة الغذاء.

ويسعى المنظمون إلى التأكيد أن المواطنين والطبيعة يقعان في صلب قضية مكافحة تداعيات التغير المناخي، كما ينتظر أن يتم السعي إلى إبراز دور الشباب بوجه خاص، باعتبار أن نتائج هذه الجهود ستنعكس سلباً أو إيجابياً على مصالحهم المستقبلية.

ولترجمة هذه العناوين إلى حيز النفاذ، يستهدف المؤتمر المقبل استحداث بعض الممارسات وتحقيق عدد من الأهداف، ومنها أول مراجعة عالمية شاملة لما وصل إليه المجتمع الدولي في جهود مكافحة التغير المناخي، بما في ذلك ما تحقق في تنفيذ الالتزامات والأهداف الوطنية المعلنة لتخفيض نسبة الانبعاثات، وهي مصارحة ذاتية في ظل واقع مؤلم وخطر، كما نوه إليه سكرتير عام الأمم المتحدة.

ويستهدف أيضاً الإسراع في معدلات التغيير إلى الطاقة النظيفة، بما يخفف من حدة المشكلة، وهو ما يتطلب ضمن أمور أخرى منهجية جديدة للتعامل مع تمويل إجراءات التحول إلى الطاقة النظيفة، لتوفير معدلات أعلى من الدعم المالي، بما يتناسب مع الحاجات الضرورية لتحقيق أهداف التنمية واحترام البيئة، بخاصة الدول النامية التي لا تتحمل مسؤولية ما وصل إليه العالم من اختناق بيئي، وسيشمل ذلك مراجعة دور المؤسسات المالية الدولية والقطاع الخاص.

وجارٍ السعي إلى إصدار إعلان عن اتفاق حول أغلب آليات إدارة صندوق الخسارة والضرر، والذي تقرر إنشاؤه للمرة الأولى خلال مؤتمر (كوب27) بشرم الشيخ العام الماضي حيث شهدت المشاورات الدولية أخيراً تقدماً في هذا المجال، كما أن هناك مؤشرات بإمكانية توفير التمويل اللازم له، وأن أوروبا عاقدة العزم على الإعلان عن دعم ملموس للصندوق خلال مؤتمر هذا العام.

لكل دورة من دورات (كوب) قضاياها وإنجازاتها وإخفاقاتها، والنتيجة تحكمها مواقف الدول والمجتمع الدولي بأكمله، وتحسب لمصلحة أو على حساب الجميع في النجاح أو الإخفاق، ومطلوب عمل جماعي نشط ومبتكر، لتناول مختلف القضايا والموضوعات، وكل مؤتمر له مستجداته، وإنما الحسم الحقيقي في الدورات السابقة، وما هو مقبل كذلك حول قضيتين رئيستين، هما زيادة التمويل بشكل هائل، وضبط معدلات انبعاثات الغازات لضبط ارتفاع درجات الحرارة، ونأمل في أن نجد تحركاً إيجابياً حول هذه القضايا المهمة في ظل ساحة دولية مضطربة ومقلقة.

بقلم: نبيل فهمي، وزير الخارجية المصري السابق – اندبندنت عربية