التواصل مع الجمهور أداة مفقودة في قضية المناخ

Nov 27, 2023

يستعد قادة العالم وفرق المفاوضين الخاصة بهم حالياً لمؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (كوب28) المقرر أن يُعقد في غضون أيام في دبي، وسنجد أنفسنا في خضم مباحثات ونقاشات تتخللها الكثير من الاختصارات والمصطلحات البيروقراطية والحيل الدلالية مثل تقنية احتجاز الكربون وتخزينه، المعروفة اختصاراً بـ”سي سي إس” (CCS)، فضلاً عن المادة (6.4)، وكلمات مثل التخلص التدريجي مقابل التخفيض التدريجي.

لا يعرف أغلب الناس معنى “سي سي إس”، ولا يتابعون مداولات هيئة الإشراف على المادة (6.4)، وما زالوا غير مدركين للفرق بين تحسين انبعاثات الوقود الأحفوري أو وضع حد لها. وقد أشار تقريران صدرا خلال الأسابيع الأخيرة إلى الحاجة لتفسير أزمة المناخ بلغة يفهمها الجميع.

يعرف أغلب الناس شيئاً ما عن تغير المناخ، وفقاً لتقرير من “ييل بروغرام أون كلايمت تشاينج كوميونيكيشن” (Yale Program on Climate Change Communication)، والذي أجرى استبياناً عبر “فيسبوك” شمل ما يقرب من 140 ألف شخص من 187 دولة وإقليم، واتفق المشاركون، بأغلبية كبيرة، على أن تغير المناخ يحدث فعلاً، رغم وجود انقسام حول ما إذا كان ذلك بسبب عوامل بشرية أو طبيعية في أغلبه.

تعتقد الأغلبية التي شملها الاستبيان أن تغير المناخ ينبغي أن يكون أولوية حكومية. ما يثير الاهتمام هو أن من يعيشون في دول الشمال العالمي لا يميلون للاعتقاد أن تغير المناخ سيؤثر عليهم شخصياً، كما أنهم أقل ميلاً من المشاركين في الدول الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى وأميركا اللاتينية وجنوب آسيا للقول إنها قضية مهمة على المستوى الشخصي.

قد يشير ذلك إلى الانحياز للتفاؤل، لكن يتراجع ذلك التأثير مع قدر التوتر والخبرة، لذا فمن المنطقي أن من يعيشون في الدول التي تواجه تأثيرات تغير المناخ الآن أكثر ترجيحاً لأن يقولوا إن الاحترار سيؤثر عليهم شخصياً.

يؤكد تقرير ثانٍ، أصدره معهد رويترز في جامعة أوكسفورد، ذلك الأمر، إذ كان المشاركون أكثر ترجيحاً لأن يقولوا إن تغير المناخ له تأثير أكبر على صحة مواطنيهم أكثر منه على صحتهم، لكن بجانب إنكار المخاطر التي يمثلها تغير المناخ للأفراد، فقد يعكس ذلك أيضاً وجهة نظر تنطوي على أن سكان الدول الغنية لا يرون أن أزمة المناخ مشكلة تخصهم.

كتب فينود توماس، النائب الأول لرئيس البنك الدولي سابقاً، في صحيفة “فاينانشال تايمز”، أن قمة (كوب28) تواجه تحدياً هائلاً في التواصل، قائلا “إن الوصول للإرادة السياسية المطلوبة لسياسة طموحة في المناخ يتطلب تنامي الدعم من الرأي العام”، وهو ما يحتاج بدوره إلى تفسير أفضل للأسس العلمية لتغير المناخ. أتفق مع ذلك الرأي، رغم أنني أعتقد أن الأمر ينبغي أن ينطوي على ما هو أكثر من مجرد إبراز مخاطر المناخ في الوقت الحالي.

أجرى معهد رويترز استبياناً شمل أناساً في ثماني دول حول كيفية تفاعلهم مع أخبار البيئة. كان أكثر من 50% بقليل ممن شملهم المسح قد رأوا أو قرأوا أو سمعوا أخباراً أو معلومات عن تغير المناخ خلال الأسبوع السابق. الثقة في الأخبار مستقرة في مناطق عديدة، رغم أنها تراجعت بشكل ملحوظ في ألمانيا والمملكة المتحدة. من ناحية أخرى، يثق 73% من المشاركين في العلماء كمصدر للمعلومات عن المناخ.

يدعم ذلك التواصل العلمي بلا شك. لقد اعتمدنا على الأكاديميين لإقناع صناع السياسات وعامة الناس بجدية أزمة تغير المناخ. لكننا بدأنا نشهد تباعد الآراء التي تقودها أسماء رنانة في علوم المناخ على منصات التواصل الاجتماعي فيما يتعلق بوتيرة الاحترار والخطوات التي ينبغي اتخاذها.

نحن نشهد أيضاً انقسامات سياسية حادة، لكنه لا يحدث في كل مكان. تبرز الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، بسبب الفجوات الواسعة في الرأي، بين أولئك الذين يعتبرون أنفسهم على يمين أو يسار الطيف السياسي. لا شك أن ذلك كان جزئياً بسبب استخدام الجمهوريين والساسة المحافظين للأزمة كسلاح في الحملات السياسية.

نظراً لأن التحول يتطلب مزيداً من المال والقرارات السياسية الصعبة، فهناك خطر أن يتحول عدد أكبر من الانتخابات إلى عمليات تصويت بشأن العمل المناخي والإرادة السياسية الضعيفة. كما يقول “توماس”، فإن سبيل التعامل مع هذا الأمر هو إشراك عامة الناس. نحن بحاجة لأن نتحلى بالذكاء في الطرق التي نترجم بها البيانات لكي تخاطب عامة الناس.

لا بد من استراتيجية شاملة لتوعية أولئك الذين لا يتحدثون عن البيئة. يعني ذلك أن نستكشف الطرق التي يمكن من خلالها أن يساهم العمل المناخي في تحسين حياتنا، من خلال الاستفادة من المخاوف حول تكاليف المعيشة؛ إذ إن مصادر الطاقة المتجددة أرخص كثيراً من النفط والغاز، وكذلك فرص العمل؛ إذ أعلنت وكالة الطاقة الدولية للتو عن ازدهار كبير في الوظائف بقطاع الطاقة الصديقة للبيئة.

لكن رغم أن الفكرة تبدو سهلة، فإن دفع الناس للتحمس بشأن العمل المناخي يتطلب تحولات ثقافية أيضاً. عقدت كينيا في وقت سابق من الشهر الجاري أول يوم وطني لغرس الأشجار بها، إذ حصل الكينيون على إجازة من العمل لمدة يوم ليساهموا في زرع شتلات في أماكن عامة حول البلاد. يمثل ذلك جزءاً من مبادرة حكومية لزرع 15 مليار شجرة بحلول 2032 لمجابهة إزالة الغابات.

لدى العلم الكثير ليقوله بشأن مدى فاعلية الأشجار الجديدة كاستراتيجية للمناخ، شريطة أن تكون مزروعة في الأماكن الصحيحة وتصحبها عملية متعمقة للتخلص من الكربون. لكن الفرحة الحقيقية هي الطريقة التي تُحوِّل بها الدول فكرة إحياء الطبيعة إلى قضية غير سياسية، وتدفع الناس للحديث عن الأزمة الواقعة، وتساهم في تعزيز التوجه للعمل في مصلحة كوكبنا.

بقلم: لارا ويليامز – بلومبرغ