الأطفال الذين يولدون اليوم أكثر عرضة للجفاف والفيضانات بمقدار 3 مرات

Nov 20, 2023

قبل أسبوعين من اجتماع زعماء العالم وقطاع الأعمال في دبي في إطار الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف بشأن التغير المناخي (كوب28)، بدأت تتجلى أمام الأنظار حقيقة مثيرة للقلق حول فشل الجهود التي يبذلها العالم لمكافحة التغير المناخي في تحقيق النتائج المرجوة.

قال الرئيس العالمي لمجموعة الاستشارية، ريتش ليسر، “أياً كانت المقاييس التي يستخدمها المرء لقياس مستوى التقدم حتى الآن، فلم نصل بعد إلى الهدف الذي كان يفترض بنا الوصول إليه”.

لا بد من خفض الانبعاثات العالمية بنسبة 7% سنوياً حتى عام 2030 للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري عند 1.5 درجة مئوية، وهو الهدف الذي وافقت عليه الدول التي وقّعت على اتفاقية باريس عام 2015، لكنها تواصل الارتفاع بنسبة 1.5% سنوياً. وإذا انخفضت الانبعاثات بهذه النسبة، فسيكون ذلك إنجازاً غير مسبوق يتجاوز وتيرة خفض الانبعاثات التي شهدها العالم إبان عمليات الإغلاق بسبب تفشي جائحة كوفيد-19.

من المقرر أن يجتمع أكثر من 70,000 من قادة العالم ومدراء الشركات والناشطين في مجال المناخ وغيرهم من الأطراف المعنية بقضية التغير المناخي في دبي ابتداءً من 30 نوفمبر لحضور مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي. وتؤدي الشركات دوراً حاسماً في تحول الطاقة والاستغناء عن الوقود الأحفوري، مثل النفط والفحم، واستخدام مصادر متجددة، مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية؛ لكن 20% فقط من أكبر 1,000 شركة على مستوى العالم لديها أهداف لخفض انبعاثاتها إلى 1.5 درجة مئوية، ما يُعتبر مؤشراً على عدم وجود عدد كافٍ من القادة الذين يأخذون التغير المناخي على محمل الجد.

ويزخر موضوع التغير المناخي باستقطابات حادة، خاصة في الولايات المتحدة التي شهدت في الأشهر الأخيرة ردود فعل سياسية سلبية ضد الاستراتيجيات التي يشجعها كل من الشركات والمستثمرين لخفض انبعاثات الكربون. قد يؤثر هذا على الطريقة التي يتحدث بها القادة عن الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات اليوم، لكن ربما لا يؤثر على أفعالهم. أضاف ليسر “لا أعتقد أنني رأيت الشركات الرائدة تتراجع عن التزاماتها”. ووافقه الرئيس التنفيذي لشركة أسترازينيكا، باسكال سوريو، الرأي قائلاً “تميل الشركات في الولايات المتحدة إلى عدم إثارة ضجة بشأن ما تفعله، لكنها لم تتخلّ يوماً عن دورها”.

ثم هناك مسألة التمويل. يقول ليسر إن العالم يكتفي بتقديم تمويلات تبلغ قرابة نصف ما هو مطلوب لتحويل إنتاج الطاقة لدينا بالدرجة المطلوبة، ما يؤدي إلى فجوة قدرها 2 تريليون دولار.

وأضاف “على الرغم من أننا لم نصل بعد إلى الهدف الذي يفترض بنا الوصول إليه من جهة، فقد أظهرنا من جهة أخرى القدرة في الماضي على دفع التكنولوجيا وتوسيع نطاقها بسرعة أكبر وخفض التكاليف”. يقول رئيس مجلس إدارة شركة بيبسيكو ورئيسها التنفيذي، رامون لاغوارتا، “قد يكون هذا أحد أكثر التحولات إثارة في شركاتنا”.

قبل أسبوع واحد فقط، التقت الشركة المصنّعة لرقائق البطاطس والمشروبات الرياضية، غاتوريد، 100 من كبار مورّديها، وهو اللقاء الذي يركز عادة على التكاليف. لكن لاغوارتا قال إن هناك الآن تركيزاً كبيراً على التوصُّل إلى طريقة أكثر استدامة للحصول على المكوّنات، وهو جزء من رؤية شركة بيبسيكو الإيجابية لتحقيق صافي انبعاثات صفرية عام 2040.

يقول لاغوارتا “يشكّل هذا تحولاً ثقافياً كبيراً في كيفية تعاملنا مع مورّدينا وإيجاد حلول مشتركة تعود بالنفع على الأطراف كلها عبر سلسلة القيمة”.

وأقرّ بأن التغليف يمثل تحدياً كبيراً يُقلِق قطاع السلع الاستهلاكية المعبأة. يُشار في هذا السياق إلى أن أوروبا شهدت إحراز تقدم أكبر في ظل وجود أطر عمل وبنية تحتية جيدة لتشجيع التغليف الدائري، في حين لا تزال الولايات المتحدة متخلفة عن الركب، كما إن توعية المستهلك ليست بالمستوى المطلوب.

وتتمثل إحدى طرق خفض انبعاثات الغازات الدفيئة في إعادة التدوير الجزيئي التي تعمل على تفكيك النفايات البلاستيكية التي تصعب إعادة تدويرها لصناعة منتجات جديدة. يعد هذا تحولاً حاسماً؛ إذ نشهد إنتاج 460 مليون طن من المواد البلاستيكية سنوياً على مستوى العالم، ويخضع 15% فقط منها لإعادة التدوير.

تستثمر شركة إيستمان كيميكال مبلغ 2 مليار دولار لبناء مرافق إعادة التدوير التي يمكن أن تساعد في معالجة مشكلة البلاستيك، وحصلت الشركة على التزامات من شركات، مثل شركة بيبسيكو، بالإسهام في هذه الجهود. يقول الرئيس التنفيذي لشركة إيستمان كيميكال، مارك كوستا، “إنها عملية كثيفة رأس المال. وإذا لم يكن لديك التزام من جهات المصب بتقديم إسهامات اقتصادية معينة، ستكون احتمالات نجاح هذه الاستثمارات منخفضة للغاية. باختصار، هناك الكثير من المخاطر التي تكتنف هذه الجهود”.

وفي حين يركز الكثير من الشركات على خفض انبعاثات النطاقين الأول والثاني، ربما يكون النطاق الثالث أهم؛ لأنه يضم الانبعاثات الناتجة عن المنشأ والمصب فيما يتعلق بأنشطة الشركة. وما يُقدّر بنحو 80% من انبعاثات الكربون الناتجة عن التعبئة والتغليف يأتي من أنشطة المنشأ.

يقول كوستا “إذا لم تسع وراء النطاق الثالث ولم تتوصل إلى نظام تعاوني لمعالجته، فلن تكون لدينا فرصة للوصول إلى الهدف الذي يفترض بنا الوصول إليه عام 2050”.

عند التحدث إلى المصرفيين، قال الرئيس التنفيذي لشركة ترو كوست المدرجة على قائمة إس آند بي غلوبال، ريتشارد ماتيسون، إنه يسمع باستمرار أن النطاق الثالث محفوف بالتحديات. ثمة مشكلة حقيقية تتمثل في غياب الشفافية وصعوبة فهم البيانات.

يقول ماتيسون “للأسف، نفتقر إلى الشفافية ووجود استثمارات كافية”. وفي حين أن هناك مبالغ بقيمة 700 مليار دولار مخصصة للاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، لا بد من مضاعفة هذا الرقم للوصول إلى ما يقرب من صافي الانبعاثات الكربونية الصفرية.

وشجّع ماتيسون المورّدين والشركات الخاصة على النظر إلى الشفافية باعتبارها فرصة، وليست مخاطرة، قائلاً “نرى أن مصادر الطاقة المتجددة هي قصة المستقبل. ففي ظل أي من السيناريوهات المتاحة أمامنا، لا نرى أن الوقود الأحفوري سيكون الجزء المهيمن في البنية التحتية للطاقة العالمية بعد عام 2050”.

تجدر الإشارة إلى أن قطاع الرعاية الصحية ينتج 5% من انبعاثات الكربون العالمية، أكثر حتى من قطاع الطيران، كما إن المعدلات أعلى في الاقتصادات المتقدمة في أوروبا والولايات المتحدة. ولإحداث التغيير، تعمل شركات الأدوية العملاقة، مثل أسترازينيكا، والمستشفيات وغير ذلك من مؤسسات قطاع الرعاية الصحية من منطلق أسس تعاونية لخفض الانبعاثات. يقول سوريو “لدينا أهداف طموحة، لكننا نعمل معاً في القطاع الخاص؛ لأن أكثر من 90% من انبعاثاتنا تأتي في نهاية المطاف من النطاق الثالث”.

يسهم الأشخاص الأصحاء أيضاً في تعزيز صحة الكوكب. خذ على سبيل المثال الفحوصات الصحية المبكرة. عندما يُجري المرضى فحوصاً مبكرة لاكتشاف أمراض مثل السرطان أو أمراض الكلى، يمكن علاجهم قبل دخولهم المستشفى، ما يؤدي بدوره إلى تقليل انبعاثات الكربون.

تعد رئيسة منظمة سيف ذا تشلدرن الأميركية، جانتي سوريبتو، من بين أبرز الداعين إلى التغيير بأسرع ما يمكن؛ إذ يعاني ما يقرب من ملياري طفل، أي 4 من كل 5 أطفال على هذا الكوكب، من آثار التغير المناخي.

ووفقاً لسوريبتو، فإن الأطفال الذين يولدون اليوم أكثر عرضة بمقدار 7 مرات لموجات الحر مقارنة بالأجيال السابقة، وأكثر عرضة بمقدار 3 مرات للجفاف أو الفيضانات أو ضعف غلة المحاصيل الزراعية، كما يتفاقم انعدام الأمن الغذائي والفقر بسبب التغير المناخي. تقول سوريبتو “لم يسهم الأطفال في خلق هذه الأزمة، لكن من الواضح أنهم يتحملون عبأها الأكبر”.

المصدر: فورتشن العربية