مسارات تحوّل الطاقة ما قبل قمة المناخ (كوب28)

Nov 08, 2023

أقل من شهر يفصلنا عن الحدث المناخي الأهم والأكبر عالميًا الذي ستستضيفه هذا العام دولة الإمارات العربية المتحدة، وهو مؤتمر الأمم المتحدة للأطراف المعني بتغير المناخ (كوب28)، وعليه عقدت رئاسة المؤتمر، والوكالة الدولية للطاقة المتجددة (إيرينا)، والتحالف العالمي للطاقة المتجددة (GRA)، مؤتمرًا قبل انعقاد قمة المناخ (كوب28)، للتفاهم حول أسس المفاوضات في قمة المناخ العالمية والمساعدة في توجيه الأطراف بشأن عوامل التمكين الرئيسة اللازمة لتحقيق أهداف الطاقة، وتم إطلاق تقرير مشترك بعنوان “زيادة الطاقة المتجددة ثلاث مرات، ومضاعفة كفاءة الطاقة بحلول عام 2030: خطوات حاسمة نحو 1.5 درجة مئوية”. وانتهى هذا التقرير بمجموعة من التوصيات والأطر التمكينية التي دعت رئاسة مؤتمر الأطراف الدول لتنفيذها لتسريع عملية التحول العادل والمنظم للطاقة للحفاظ على درجة حرارة 1.5 درجة مئوية. وسيتناول هذا المقال تحليلًا للتقرير ومناقشة حول التوصيات والنتائج المتعلقة بالطاقة المتجددة، ومحاولة فهم مسارات تحول الطاقة العالمي حتى 2030.

ما المنتظر في قمة المناخ (كوب28)؟

يواجه مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ (كوب28) هذا العام تحديات هامة فيما يتعلق بمتابعة ما تم من توصيات ونتائج المؤتمر العام الماضي بشرم الشيخ، ويحمل على عاتقه أخذ المفاوضات الدولية في مسار أكثر جدية وأكثر التزامًا للتنفيذ السريع والحاسم فيما يخص خفض الانبعاثات الكربونية وتسريع تحول الطاقة وأيضًا قضية تمويل المناخ. وبحسب التقرير الصادر قبل شهر من انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ (كوب28) فإن المفاوضات ستركز على أربعة تحولات رئيسة هي:

– تسريع عملية تحول الطاقة وخفض الانبعاثات بحلول 2030.

– تمويل المناخ من خلال الوفاء بالوعود الماضية ووضع إطار لصفقة جديدة للتمويل.

– وضع البشر والطبيعة وسبل الحياة في قلب العمل المناخي.

– التعبئة من أجل مؤتمر الأطراف الأكثر شمولًا.

لا شك أن العالم بالفعل قطع خطوات كبيرة في زيادة القدرات العالمية للطاقة المتجددة وزيادة كفاءة استخدام الطاقة؛ لكن التقدم حتى الآن كان بطيئًا للغاية. ومن خلال هذا التقرير الذي يوصي بزيادة قدرات الطاقة المتجددة ثلاث مرات ومضاعفة كفاءة الطاقة، ولكن مع حلول عملية قابلة للتنفيذ بحلول 2030 حتى يتسنى للعالم الحفاظ على 1.5 درجة مئوية، وانخفاض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون إلى 23 جيجا طن عن المستوى القياسي البالغ 36.8 جيجا طن في عام 2022 وفقًا لتقرير الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، وذلك خلال 7 سنوات فقط وصولًا لعام 2030. وسيتطلب هذا اتخاذ إجراءات متضافرة لمعالجة الحواجز النظامية بشكل عاجل عبر البنية التحتية والسياسات والقدرات المؤسسية وآليات الاستثمار وخاصة في الشبكات لاستيعاب القدرات المضافة من الطاقات المتجددة.

تحول الطاقة عالميا بحلول 2030

يتطلب التحول العالمي للطاقة خفضًا كبيرًا في انبعاثات الكربون عبر صناعة الطاقة بأكملها، وكذلك في قطاعات الاستخدام النهائي. ومن خلال الاستفادة من الطاقة الشمسية الكهروضوئية منخفضة التكلفة، وطاقة الرياح البرية والبحرية، وغيرها من مصادر توليد الكهرباء المتجددة، وتوسيع تدابير تحسين كفاءة الطاقة، يجب على قطاع الطاقة أن يقود الطريق. مع الاحتفاظ بالانخفاض التدريجي للوقود الأحفوري، واتباع نهج شامل يضمن أمن الطاقة وإمكانية الوصول إليها، والقدرة على تحمل تكاليفها، والحفاظ في الوقت نفسه على التنمية الاجتماعية والاقتصادية للدول.

يُشير التقرير إلى أنه بحلول عام 2030، سيتعين زيادة إجمالي قدرات الطاقة المتجددة عالميًا بأكثر من ثلاثة أضعاف، من 3382 جيجاوات في عام 2022 إلى 11174 جيجاوات، وفقًا لسيناريو 1.5 درجة مئوية الذي وضعته الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، لتزداد بذلك نسبة الطاقات المتجددة من حوالي 10% من إجمالي الطاقة المولدة عالميًا في عام 2021 إلى حوالي 46% بحلول عام 2030. وسيتضمن الارتفاع زيادة قدرة الطاقة الشمسية الكهروضوئية إلى أكثر من 5400 جيجاوات – من 1055 جيجاوات في عام 2022، وستتجاوز مشروعات طاقة الرياح 3500 جيجاوات (3040 جيجاوات رياح برية و500 جيجاوات رياح بحرية عن قدرتها في عام 2022 البالغة 899 جيجاوات)، كما سترتفع القدرات العالمية من الطاقة الكهرومائية عن مستوى عام 2022 لتصل إلى 1465 جيجاوات.

وتشير التوقعات في التقرير إلى أن متوسط الإضافات في قدرات الطاقة المتجددة التي يجب إضافتها يبلغ حوالي ألف جيجاوات كل عام في العقد الحالي أي أكثر من ثلاثة أضعاف القدرة المتجددة المضافة في عام 2022، وهو الأمر الذي يبدو صعبًا للغاية ولكنه ضروري وحتمي لمواجهة التحديات المرتبطة بأمن الطاقة وتغير المناخ، وتعتبر طاقتا الشمس والرياح المحرك الأساسي لهذه الإضافات بمعدل 551 جيجاوات من الطاقة الشمسية الكهروضوئية و593 جيجاوات من طاقة الرياح حتى عام 2030.

كيف يمكن مضاعفة الطاقة المتجددة 3 مرات بحلول 2030؟

بحسب التقرير فإنه ينبغي على الدول التي لديها حواجز أقل أمام الاستثمار، وإمكانات أعلى لموارد الطاقة المتجددة، وأسواق طاقة أكثر نضجًا أن يهدفوا إلى زيادة أكبر في قدرات الطاقة المتجددة وإزالة الكربون من الاقتصاد، وهذا من شأنه أن يسمح لهم بمساعدة الدول الأخرى من خلال تبادل الخبرات ونقل التكنولوجيا وربما تمويل المشروعات. وبموجب سيناريو الوكالة الدولية للطاقة المتجددة عند 1.5 درجة مئوية، ستهيمن دول مجموعة العشرين وهي (أستراليا، الأرجنتين، فرنسا، البرازيل، كندا، المكسيك، اليابان، إيطاليا، الهند، ألمانيا، إندونيسيا، تركيا، جنوب أفريقيا، المملكة المتحدة، السعودية، روسيا، كوريا، الاتحاد الأوروبي، الاتحاد الأفريقي، الولايات المتحدة، الصين) على السوق العالمية للطاقة الشمسية الكهروضوئية؛ ولكن خارج هذه المجموعة يجب أن تتجاوز القدرة التراكمية 900 جيجاوات بحلول عام 2030، في حين ستصل القدرة الإجمالية في دول مجموعة العشرين إلى حوالي 4530 جيجاوات. بالنسبة لطاقة الرياح، تتمتع الصين والولايات المتحدة وكندا والبرازيل والعديد من الدول الأوروبية بإمكانيات عالية للرياح البرية، في حين أن غالبية التوسعات في طاقة الرياح البحرية ستكون في أربعة أسواق رئيسة (الصين، الاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة، الهند)، والقدرات المتوقع إضافتها من الطاقة الكهرومائية تنتج معظمها من دول مجموعة العشرين بنسبة حوالي 79%.

تكلفة تحول الطاقة

أصبحت خيارات الطاقة المتجددة، وخاصة طاقة الشمس وطاقة الرياح، من أفضل الخيارات من حيث الجدوى الاقتصادية وتكلفة إنتاج الطاقة. في عام 2010، بلغ متوسط سعر الطاقة الشمسية الكهروضوئية 0.445 دولار أمريكي/ كيلووات ساعة، أي أكثر تكلفة بنسبة 710% من أرخص خيار يعمل بالوقود الأحفوري، ولكن بحلول عام 2022 أدى الانخفاض المذهل في التكاليف إلى 0.049 دولار أمريكي/ كيلووات ساعة إلى جعل المتوسط العالمي المرجح لسعر الطاقة الشمسية الكهروضوئية أقل بنسبة 29% من أرخص خيار يعمل بالوقود الأحفوري. ولا يختلف الوضع كثيرًا في طاقة الرياح، حيث بلغ المتوسط العالمي لتكلفة الكهرباء من طاقة الرياح البرية 0.107 دولار أمريكي/كيلووات ساعة عام 2010، في حين انخفضت التكلفة عام 2022 إلى 0.033 دولار أمريكي/كيلووات ساعة، أي أقل بنسبة 52% من الوقود الأحفوري.

حجم الاستثمارات المطلوبة

لا شك أن حجم الاستثمارات المطلوبة لتحقيق هدف 1.5 درجة مئوية والتوسع الكبير في مشروعات الطاقة المتجددة بحلول عام 2030، سيكون أعلى بكثير مما تم ضخه خلال الفترة الماضية، فخلال الفترة (2000-2020) تم ضخ استثمارات عالمية في مجال الطاقة المتجددة بلغت حوالي 2841 مليار دولار أمريكي، في حين يتوقع التحالف العالمي للطاقة المتجددة حجم استثمارات يصل إلى 10410 مليار دولار أمريكي خلال الفترة 2023-2030 في جميع تقنيات الطاقة المتجددة وعلى رأسها الشمس والرياح.

ولتحقيق مضاعفة قدرة الطاقة المتجددة ثلاث مرات بحلول عام 2030 كما يوصي التقرير يجب أن يصل متوسط الاستثمار السنوي في توليد الطاقة المتجددة في الفترة 2023-2030 إلى 1300 مليار دولار أمريكي، مقارنة بـ486 مليار دولار في عام 2022، بالإضافة إلى الاستثمارات المرتبطة بتحديث نظام الطاقة وتطوير الشبكات وتعزيز المرونة التشغيلية لقطاع الطاقة، عن متوسط الاستثمار السنوي البالغ 274 مليار دولار أمريكي في عام 2022 إلى 605 مليارات دولار أمريكي بحلول عام 2030.

وأخيرًا، يمكن القول إن تحقيق هذه الطموحات والتوقعات أمر غاية في الأهمية ليس فقط لتحقيق أهداف الحياد الكربوني ومواجهة تغير المناخ، وإنما لما لها من أهمية اقتصادية واجتماعية في تحقيق أمن الطاقة وتنوع المصادر وتحقيق استدامة في نظام الطاقة العالمي، ولكنه أمر في غاية الصعوبة أيضًا، كيف يمكن جمع التمويل اللازم لكل هذه المشروعات خلال الفترة المتبقية وإلزام الدول بمضاعفة الاستثمارات في الطاقات المتجددة، وكيف يمكن إعادة توجيه التمويل لخدمة الدول النامية والدول المتقدمة على حد سواء، فخلال العقد الماضي كان نصيب أفريقيا، وهي القارة الأقل تأثيرًا والأكثر تضررًا من آثار تغير المناخ بفعل الدول المتقدمة، أقل من 2% من حجم الاستثمارات العالمية في الطاقة المتجددة. فهناك حاجة ماسة إلى التمويل العام لبناء البنية التحتية الأساسية للطاقة في العالم النامي، فضلًا عن تعزيز نشر التكنولوجيات وضمان تحول عادل وشامل للطاقة.

بقلم: أمل إسماعيل – المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية