الكهرباء في أوروبا والطاقة الخضراء

Nov 04, 2023

في أوائل الشهر الماضي عدَّل الاتحاد الأوروبي أهدافه المناخية الخاصة باستهلاك الطاقة، فقد زاد حصة الطاقة المتجددة الملزمة له من إجمالي استهلاكه من الطاقة من 32% إلى 42.5%. لكن ضمان الوفاء بهذه الأهداف لا يعتمد فقط على تطوير موارد أقل إطلاقا للكربون، إنه يعتمد أيضا على شبكة الكهرباء في القارة والتي حين أُنشئت لم يكن التحول إلى الطاقة المتجددة في البال.

في الوقت الحاضر الشبكة الأوروبية صغيرة جدا وقديمة ومركزية وتفتقر إلى وصلات (كابلات) ربط كافية. هذه الحال لا تقتصر فقط على تحديات تتعلق بالكفاءة والسعة ولكن يمكنها أيضا عرقلة ربط أشكال جديدة من الطاقة المتجددة بالشبكة، لذلك هنالك حاجة ملحة لإجراء تحسينات عليها على نحو ما حذرت كادري سيمبسون مفوضة الطاقة بالاتحاد الأوروبي في الشهر الماضي حين قالت “إذا لم نطوِّر البنية التحتية لشبكة الكهرباء بسرعة لن نحقق أهدافنا للعام 2030”.

شبكة الكهرباء الأوروبية تحتاج إلى التحديث، فقد تجاوز عمر حوالي 40% منها 40 عاما وتبقى لها 10 أعوام من عمرها الافتراضي. لذلك الشبكة القديمة تفقد بعض الكهرباء التي تنتقل عبرها، كما لا يمكن ربطها بمصادر جديدة للطاقة المتجددة. هذا الوضع يقود إلى اختناقات في توليد الكهرباء الخضراء في بعض الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي.

على سبيل المثال؛ في بولندا لم تتوفر في مرات عديدة سعة كافية في الشبكة لنقل الكهرباء المنتجة بواسطة أشعة الشمس خلال هذا العام، وبالوتيرة الحالية لن تستطيع الشبكة مواكبة ارتفاع الطلب على الكهرباء الناشئ من الاتجاه إلى كهربة النقل والتدفئة.

مثلا كجزء من أهدافه المناخية؛ يخطط الاتحاد الأوروبي لزيادة عدد مضخات الحرارة المركَّبة من 20 مليونا إلى 60 مليون مضخة عام 2030. حاليا ينفق الاتحاد حوالي 23 بليون يورو في العام الواحد على توسعة شبكات توزيع الكهرباء مع وجود 141 مشروعا تقريبا خاصا بشبكات نقل الكهرباء قيد التنفيذ سواء في بلدان الاتحاد الأوروبي أو بالتعاون مع بلدان أخرى.

كما خطط الاتحاد الأوروبي أيضا لزيادة طول خطوط النقل بنسبة 20% وشبكات التوزيع بنسبة 6.7% بحلول عام 2030، لكن لتحديث وتوسيع الشبكة بقدر كافٍ هذا قليل جدا. فحسب اتحاد صناعة الكهرباء الأوروبية “يوراليكتريك” يجب أن يزيد الاتحاد الأوروبي استثماره في توسعة الشبكة إلى حوالي 38 بليون يورو سنويا على الأقل بحلول عام 2030 من أجل الوفاء بأهدافه المناخية وإلى 100 بليون يورو في حال زيادة هذه الأهداف. وقدرت المفوضية الأوروبية نفسها الحاجة إلى 584 بليون يورو بحلول عام 2030 لتوسعة شبكتي النقل والتوزيع كلتيهما. لذلك على الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء بذل جهد مشترك لضمان مصادر التمويل والتي وفقا لتقديرات المفوضية ستتوافر جزئيا من ميزانية الاتحاد الأوروبي، ولكن أيضا من أموال وطنية ومن القطاع الخاص والمؤسسات المالية.

على الاتحاد الأوروبي، لتأمين استثمارات الربط الكهربائي في المستقبل، ليس فقط توسيع الشبكة نفسها ولكن إنشاء المزيد من وصلات (كابلات) الربط بين الدول الأعضاء، حيث تلعب هذه الوصلات التي تربط شبكات البلدان المجاورة دورا حيويا في تعزيز أمن الطاقة بضمانها قدرة الدولة العضو على مقابلة الطلب على الطاقة عندما لا يكون التوليد المحلي للكهرباء كاف.

هذه المشكلة كثيرا ما تكون أسبابها عوامل مناخية. مثلا في فرنسا تسببت درجات الحرارة المرتفعة في صيف 2022 في انخفاض توليد الكهرباء بواسطة الطاقة النووية، ما اضطرها إلى زيادة وارداتها من بريطانيا وأسبانيا وألمانيا وبلجيكا. هذا التعاون العابر للحدود يعزز المرونة بتمكين البلدان الأعضاء من تقليل المخاطر المرتبطة بالقيود والتقلبات المحتملة لإمدادات الطاقة المحملة والتي ستزداد وتيرتها مع تفاقم التغير المناخي.

في الوقت الحاضر؛ من المتوقع أن تصل سعة تبادل الكهرباء عبر الحدود في أوروبا إلى 136 جيجاوات في عام 2030، لكن وفقا للتقديرات يحتاج النظام إلى ما بين 148 جيجاوات و187 جيجاوات لتجنّب مثل هذه المشاكل. مشروعات شبكات النقل الموجودة والتي يبلغ عددها 131 مشروعا يتعلق بعضها بالتوسع في الربط الكهربائي بين البلدان الأعضاء، والمسألة الأساسية هي استكمالها في الوقت المطلوب. حتى الآن من جملة 50 مشروعا للربط عبر الحدود بين بلدان الاتحاد الأوروبي، توجد 5 مشروعات قيد الإنشاء و15 مشروعا في مرحلة التصديق و9 مشروعات في مرحلة التخطيط الأولى، وحوالي 21 مشروعا لاتزال قيد الدراسة.

يجب أيضا تخصيص الأولوية في خطة توسعة شبكة الكهرباء لتقوية الربط بين الدول الأعضاء والبلدان الأخرى خارج الاتحاد الأوروبي. تسريع هذه التوسعة يمكن أن يتيح للاتحاد الأوروبي الفرصة لتعزيز البنية التحتية للطاقة النظيفة، ما يسمح بتبادل الدعم الكهربائي بين البلدان المجاورة في أحوال الطوارئ.

مثلا توسعة الربط الكهربائي مع بريطانيا سيمكّن من زيادة واردات الكهرباء التي تنتجها مزارع الرياح البريطانية. وعلى نحو مماثل التوسع في الربط الكهربائي في جنوب أوروبا بما في ذلك غرب البلقان سيمكِّن من استيراد الطاقة الخضراء المنتجة في بلدان أخرى كأذربيجان والمغرب. بدوره أيضا تحديث وتوسعة الربط الكهربائي مع أوكرانيا أو مولدوفا يسمح لبلدان الاتحاد الأوروبي بتعزيز أمن الطاقة لجاراتها في شرق أوروبا. لكن من جملة المشروعات العابرة للحدود (38 مشروعا) التي تنفّذ بالتعاون بين البلدان الأعضاء والبلدان الأخرى ثلاثة منها فقط قيد الإنشاء و12 في مرحلة التصديق وأربعة في مرحلة التخطيط وحوالي 19 مشروعا قيد النظر.

في المستقبل يجب أن يركز الاتحاد الأوروبي على تسريع مشروعات الربط عبر الحدود سواء داخل الاتحاد أو مع بلدان أخرى خارج الاتحاد؛ لتأمين الإمداد الكهربائي في أوقات انخفاض التوليد المحلي وتعزيز إمكانية الاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة.

توسعة نظام الشبكة لضمان التوافق مع الطاقة المتجددة يجب أن تشمل توسعة الشبكة أيضا تغييرا لنموذج الشبكة السائد. ففي الوقت الحالي؛ جزء كبير من شبكة أوروبا مركزي يعتمد على نقل الكهرباء لمسافات بعيدة، بدلا عن ذلك يجب أن تتجه الشبكة نحو نموذج توزيع لامركزي يسمح بنقل الكهرباء محليا، فخلافا للشبكات المركزية يمكن لشبكات التوزيع تعظيم “سعة” الطاقة المتجددة على نحو أفضل من خلال نقل الكهرباء المنتجة محليا والتي في أحيان كثيرة يتم توليدها من مصادر محلية مثل وحدات الخلايا الضوئية المنزلية.

يمكن لشبكات التوزيع أيضا تقليل تكلفة الكهرباء للمواطنين. ففي بولندا يعيش 80% من السكان في مدن صغيرة ولا يحتاجون بالضرورة إلى إمدادهم بواسطة شبكة مركزية باهظة التكلفة. توسعة شبكات التوزيع على حساب شبكات النقل الكبيرة ستمكِّن أيضا من خفض مخاطر الأصول المجمدة (أجزاء الشبكة التي لا تستخدم سعتها الكاملة) في الأجل الطويل مع الاتجاه باطراد نحو لامركزية نظام الطاقة الكهربائية. لكن وفقا لوكالة الطاقة الدولية سعة شبكة توزيع الكهرباء “غير كافية” في الوقت الحاضر، لذلك يجب أن يركز تخطيط الاستثمار بشدة على اللامركزية، لاسيما وأن المفوضية عندما أعلنت عن خطة العمل الأوروبية لطاقة الرياح في الشهر الماضي ذكرت أيضا أنها ستعقبها بخطة خلال هذا الشهر (نوفمبر) لتوسعة الشبكة. هذه بالتأكيد خطوة في الاتجاه الصحيح شريطة أن تضع في الاعتبار الحاجة المُلِحَّة للمزيد من شبكات التوزيع.

المضيّ قُدُما في الرقمنة مجال خططت فيه بروكسل استثماراتها بشكل سليم، حيث تم تخصيص حوالي 170 بليون يورو، وفقا لخطة العمل الخاصة بالاتحاد الأوروبي. هذه الاستثمارات في تحديث شبكة الكهرباء وابتكارات الطاقة الرقمية ستعزز مرونة النظام وتجعله متوافقا مع نسبة أعلى من الطاقة المتجددة، وسيمكن ذلك المستهلكين من تغذية الشبكة العامة بالطاقة الفائضة من ألواح الخلايا الضوئية الخاصة بهم أو استخدام الكهرباء المختزنة في سياراتهم الكهربائية للأغراض المنزلية.

إقرار الاتحاد الأوروبي بالكفاءة المحتملة والتكلفة المعقولة للتمويل المستهدف يَعِد بتسريع هذا الجانب من تحديث الشبكة. يجب تطبيق نفس التخطيط المستقبلي على كل من الإمداد اللامركزي ووصلات (كابلات) الربط الكهربائي؛ لتأمين شبكة الكهرباء الأوروبية بقدر كاف في المستقبل، ويلزم أن يكون ذلك واضحا في قائمة المشروعات ذات المصلحة المشتركة عقب تبني اللائحة المعدلة لشبكات الطاقة الأوروبية العابرة للحدود والتي أعلنتها المفوضية في خطة عمل طاقة الرياح الأوروبية.

بالنظر إلى طموحات الاتحاد الأوروبي المتزايدة بشأن أهدافه المناخية وتطوير مصادر الطاقة المتجددة، هنالك حاجة ملحّة لتوسعة شبكات الكهرباء بحيث تتمكن من استقبال وتوزيع الطاقة الخضراء. وفي سبيل ذلك يجب أن تتأكد المفوضية وكذلك الدول الأعضاء من وجود اتساق بين ما تخطط له وما تفعله. هذا ينطبق ليس فقط على التخطيط الكافي على مستوى أبعاد المشروع، ولكن أيضا لإيجاد نماذج تمويل مناسبة للاستثمارات التي يجري تنفيذها.

يتطلب إنجاز هذه المهمة التزاما ليس فقط من جانب الإتحاد الأوروبي ولكن أيضا من جانب الدول الأعضاء التي يجب أن تسارع إلى جعل توسعة الشبكة إحدى أولويات سياسات الطاقة على الصعيد الوطني. ولأن تطوير شبكة الكهرباء يستغرق سنوات، يجب الشروع فيه على الفور لضمان مستقبل أكثر إخضرارا لأوروبا.

بقلم: سيمون كارداش، زميل أول سياسات بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية – جريدة عمان