ثقب الأوزون يتسع من جديد بعد عقود التعافي

Nov 03, 2023

يعد الاستنزاف المستمرّ لطبقة الأوزون فوق القطب الجنوبي من أكبر التحديات التي تواجه الحياة على كوكبنا اليوم، إذ يتّسع الثقب بين فترة وأخرى بنسب متفاوتة، يتناقلها العلماء والمراكز البحثيّة، مشدّدين على أهمية الوعي الجماعي بهذه القضية، وضرورة حضورها وتكريسها في وسائل الإعلام.

وتحمي الطّبقة، وهي جزء من الغلاف الجويّ للأرض، جلودنا وأعيننا من الأشعة فوق البنفسجيّة التي تصل إلى الأرض مع أشعة الشمس، لكنّ الثقب الحاصل فيها الذي يشكّل تحدّياً للعلماء والبشرية بات يوازي اليوم ثلاثة أضعاف مساحة البرازيل.

وبمعنى أكثر دقة، هناك مساحة كبيرة جداً من الكرة الأرضيّة تعد فيها الحياة معرَّضة لأضرار كبيرة ومباشرة تستهدف الحمض النووي للكائنات الحيّة، سواء أُصيبت على مستوى الجلد أو الأعين، كما أنّ لها آثاراً سلبية أخرى.

ويتخوّف الباحثون من أنّ اتساع تلك المساحة مستقبلاً قد يعني شمولها مناطق مأهولة بالسكان.

لكنّ الوضع اليوم بخصوص طبقة الأوزون، يعد استثنائياً لسببين، أوّلهما أنّ اختلافاً جذرياً يحدث في وضع الثقب الذي كان يميل إلى الانكماش والتعافي خلال السنوات السابقة، قبل أن يعود للتوسّع.

أمّا ثانيهما، فهو أنّ المساحة المسجّلة حديثاً للثقب هي الأكبر تاريخياً، إذ فاقت 26 مليون كيلومتر مربع في سبتمبر الماضي، ويستمر هذا الاتساع حالياً، باعتبار أنّ هذا التوقيت من السنة هو توقيت نموذجي عادةً لعمليّة الاتساع؛ كونه يتيح عملية التفاعل المؤدّية لتبدّد الأوزون، إذ عادةً ما يُرصَد التوسّع في شهرَي سبتمبر وأكتوبر.

ولا توجد مسؤوليّة مباشرة للإنسان عن هذا التوسّع، وفق فرضيّة العلماء حول الأسباب التي أدّت إليه، ويتّجه هؤلاء إلى تحميل بركان تونغا، الذي ثار في يناير 2022، المسؤولية عن اتساع رقعة ثقب الأوزون.

ويبرّر الباحثون ذلك بأنّ انفجار البركان كان ضخماً جدّاً، ولعله الأقوى منذ أكثر من قرن، وقد فاقت قوته مئات المرات القنبلة النوويّة الأمريكيّة التي أُلقيت في هيروشيما، وفق وكالة ناسا.

وأدّى الزلزال الذي ضرب دولة تونغا، وهي أرخبيل يقع في منطقة المحيط الهادئ، إلى قطع البلاد كلياً عن العالم، وتعطيل خدمات كثيرة فيها، إضافةً إلى انبعاثات غازيّة هائلة انطلقت إلى الغلاف الجوي، ووجدت الانبعاثات سبيلها إلى سماء القطب الجنوبي لتُحدث تفاعلات في طبقة الأوزون ضاعفت من اتساع رقعتها.

ووفق آنتجا إينيس، الباحثة المختصّة في الغلاف الجوي، والباحثة في برنامج كوبرنيكوس الأوروبي لمراقبة الأرض، فإنّ البركان أدّى إلى حقن طبقة الستراتوسفير -وهي الطبقة الثانية للغلاف الجوي للأرض- بكثيرٍ من بخار الماء.

وهو ما قاد، وفق الباحثة، إلى تفاعلات في الطبقة واستنزاف لها في منطقة ثقب الأوزون فوق القطب الجنوبي.

ثقب الأوزون ليس ثقباً بالمعنى الحرفي، إلّا أنّه يرمز إلى منطقة من الطبقة العليا للغلاف الجوي تحدث فيها تفاعلات تؤدي إلى تبدّد الأوزون الذي يحمي الأرض من الأشعة فوق البنفسجّية.

يحدث هذا التبدد علميّاً بسبب تسرّب غازات معيّنة تدفع إلى تفاعلات مع طبقة الأوزون، وتَحدث هذه التفاعلات في المنطقة الضعيفة من الأوزون، وهي المنطقة الواقعة فوق القطب الجنوبي.

وفق الوكالة الأمريكية لعلوم الفضاء (ناسا)، فإنّ الإنسان لم يكتشف أي تغيّر في تكوين طبقة الأوزون في الغلاف الجوي قبل عام 1979، لكن في مطلع الثمانينيات، رُصدت تغيرات فوق القطب الجنوبي في كل ربيع، تؤدّي إلى نضوب في الأوزون، ما يؤدي إلى نفاذ الأشعة الضارة.

وأُطلق على هذا الاضمحلال “ثقب الأوزون”، وهي تسمية أوَّل من أطلقها هو الكيميائي الأمريكي الحاصل على جائزة نوبل للعلوم شيروود رولاند. وحددت الأمم المتحدة السادس عشر من سبتمبر، يوماً دولياً للحفاظ على طبقة الأوزون.

وتتبدد طبقة الأوزون، أو بمعنى آخر يزيد اتساع الثقب بوجود غازات معيّنة، وهي مركبات الكلوروفلوروكربون (CFCs)، والهالونات، ورباعي كلوريد الكربون.

وعند إطلاق هذه المواد في الغلاف الجوي، يمكن أن تصل إلى طبقة الستراتوسفير، حيث تفككها الأشعة فوق البنفسجية، ما يؤدي إلى إطلاق ذرّات الكلور والبروم التي تدمر جزيئات الأوزون.

ويلعب الإنسان دوراً كبيراً في الأثر السلبيّ على طبقة الأوزون عبر إطلاق انبعاثات تلك الغازات التي تنتجها أنشطة تجميد الأغذية، وصناعة كثيرٍ من المستحضرات الطبيّة والمواد الكيميائية الزراعيّة، إضافةً إلى كثيرٍ من أنظمة التبريد وإطفاء الحرائق وغيرها.

ميّزت دراسة صادرة عن جامعة ساوثامبتون عام 2020، بين انقراض الكائنات الذي حدث على كوكب الأرض نهاية العصر الجيولوجي الديفوني قبل 359 مليون عام، وبين بقية أنواع الانقراض التي حدثت في الكوكب.

ويجري هذا التمييز على اعتبار أنّ هذا الانقراض لم يحدث بسبب اصطدام كويكب بالأرض، ولا بسبب نشاط بركاني هائل، وإنّما بسبب مستويات كبيرة من الأشعة فوق البنفسجيّة، سببّه انهيار قصير لطبقة الأوزون نتج عنه خلل كبير في بنية الغلاف الجوي، وبالتالي انقراض الحياة.

ووفق دراسة حديثة نشرت في 2023، فإنّ ما يُعرف بـ”الموت العظيم” الذي حدث قبل 252 مليون عام، وأنهى حياة 80% من الحياة البحرية و70% من الحياة البرية، نتج عن تحمُّض المحيطات ونقص الأكسجين في الغلاف الجوّي، ما يشير إلى أنّ السبب الرئيسي له مرتبط أيضاً بطبقة الأوزون وانهيارها.

ووفق تقرير صدر عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية وبرنامج الأمم المتحدة في يناير 2023، فإنّ طبقة الأوزون في طريقها إلى التعافي خلال العقود القادمة.

وجاء في التقرير، أنّه وبحلول 2066 ستعود طبقة الأوزون إلى الوضع الذي كانت عليه قبل عام 1980، أي قبل ظهور ثقب الأوزون فوق القطب الجنوبي.

وأكدت أنّ هذه النتيجة ستتحقق إذا استمرت سياسات الحكومات والمنظمات الهادفة إلى الحدّ من انبعاثات الغازات المؤدية إلى الاحتباس الحراري.

وتعزو الأمم المتحدة وغالبية العلماء المختصين بطبقة الأوزون، المرحلة الترميمية التي مرّت بها الطبقة خلال العقود الأخيرة إلى بروتوكول مونتريال، الذي يُعد من أهم خطوات التكافل الدولي تاريخياً، للحفاظ على البيئة.

وقد جرى توقيعه سريعاً بعد اكتشاف ثقب الأوزون؛ ففي 16 سبتمبر عام 1987 وقّعت المجموعة الأوروبية و24 دولة على البروتوكول الذي دخل حيّز التطبيق عام 1989.

ويحظر بروتوكول مونتريال استخدام المواد الضارّة بالأوزون، وحظر السلوكيات المؤدية إلى انبعاثات الغازات، ومنها مركّب الكلوروفلوروكربون المدمّر للأوزون.

وفي عام 2019 وصل عدد الدول الموقِّعة عليه إلى 197 دولة التزمت بنسب متفاوتة بمنع إنتاج الغازات الضارة بالأوزون، وأسهم الالتزام والتعاون والتنسيق داخل المجتمع الدولي في مواجهة هذا الخطر البيئي، وفي ترميم طبقة الأوزون بشكل واضح خلال أكثر من ثلاثين عاماً.

تنتشر فكرة تُحمِّل التطورات التقنية منذ الثورة الصناعية حتى ثورة التكنولوجيا، مسؤوليّةً مباشرة تجاه التغيرات البيئية والتغيرات المناخيّة، لا سيّما تلك التي تمرّ بها دول كثيرة خلال السنوات الأخيرة، من حرائق وأعاصير وغيرها.

وهو بطبيعة الحال أمر صحيح، إذ تعود انبعاثات الكربون وارتفاع درجة حرارة الأرض، بشكل كبير إلى السلوك الإنساني المبالِغ في استهلاك مقدرات الأرض، والتأثير في نظمها.

لكن فيما يتعلّق بطبقة الأوزون، فإنّ التوسع الأخير والأكبر، يعود -وفق أغلب التقديرات- إلى الأرض ذاتها، وهو ما يعني بوضوح أنّ الأرض محكومة بطبيعتها ويمكن أن تولّد من تلك الطبيعة دماراً دون التدخل الإنساني.

المصدر: تي آر تي عربي