المنزل السلبي… كفاءة في توفير الطاقة ومواجهة تغير المناخ

Oct 26, 2023

تسير جميع المجالات جنباً إلى جنب في طريق توفير أفضل الشروط البيئية للعيش والازدهار في عالم تزداد فيه الملوثات الجوية على اختلاف أنواعها ويرتفع الطلب على استهلاك الطاقة، ويأتي البناء والتشييد في مقدمة الصناعات التي من الممكن أن يصنع إسهامها فرقاً جلياً في قضية التغير المناخي.

المنزل السلبي

في مجال التشييد والبناء ومن الأفكار التي أتاح تطبيقها حلاً لافتاً ما يسمى “المنزل السلبي” أو “الخامل” وهو منزل محكم الإغلاق تماماً، يتميز باستهلاك منخفض للطاقة، ويعرف بأنه نموذج متخصص في كفاءة استخدام الطاقة يسهم في التقليل من البصمة البيئية للمبنى، ما ينتج مباني أقل طلباً للطاقة بغرض التدفئة أو التبريد، أي لا يستلزم طاقة كبيرة للتحكم في المناخ الداخلي للمنزل معظم أيام العام ويحتوي القليل من مدخلات الطاقة. ويحقق ذلك من خلال تزويده بوسائل عزل وأنظمة تهوية معيارية ذات تصميم دقيق، ما يضمن الراحة الحرارية من دون الحاجة لأنواع التدفئة التقليدية التي تستخدم بكثافة في الحالات العامة، فيستمد الطاقة المطلوبة من أشعة الشمس والجو العام والحرارة من حوله.

ونشأت الجذور الأولى للتوجه نحو المباني السلبية للمرة الأولى في ألمانيا، بإضفاء الطابع الرسمي على هذه المبادئ عام 1996، ويؤكد مناصروها أن بإمكانها توفير ما بين 40 إلى 60 في المئة من الطاقة مقارنة بالمباني التقليدية، والتصميم هنا ليس ملحقاً بعملية التصميم المعماري، بل هو عملية تصميمية تتكامل معها.

شهادة البناء المستدام

ويوصف المنزل السلبي بأنه شهادة بناء تعتمد على الأداء وتركز على تخفيض استخدم الطاقة، كما يتطلب تصميمه الالتزام بمعايير دقيقة، ولهذه الشهادة دور مهم اليوم في التخفيف من تغير المناخ من خلال ما تحمله من نهج قوي يشجع على الممارسات المسؤولة بيئياً في الصناعات المرتبطة بالبناء والتشييد، وهي توفر رؤية عامة للمعايير المقبولة في الصناعة وتقوم بمراقبة الأداء وضمان الامتثال للأنظمة من جهة، وتحث من جهة أخرى على الحد من التأثيرات البيئية السلبية في حين تفي المباني بمعايير الاستدامة الصارمة.

ولا يقتصر تطبيق المعايير على المباني السكنية، سواء المخصصة للأسرة المفردة أم للأسر المتعددة، بل يمكن تطبيقها أيضاً على المكاتب والمدارس وناطحات السحاب ورياض الأطفال والمحال التجارية وغيرها، كما من الممكن تطبيقها على المباني الجديدة تماماً أو التي تحتاج إلى تجديد على حد سواء. وتطبق المباني هذه المبادئ مع الالتزام بمجموعة محددة من أهداف الطاقة التي تأخذ في الاعتبار تصنيف المبنى والمنطقة المناخية للمشروع.

وهناك عديد من الشهادات المتاحة ولكل منها منهجها وأسلوبها الخاص، وبعضها يدمج مبادئ البناء السلبي مع تحسين الكلفة وخصائص المناخ، من أشهرها نظام “الريادة في الطاقة والتصميم البيئي” وهو نظام معترف به دولياً كمقياس لتصميم وإنشاء وتشغيل مبان مراعية للبيئة وذات أداء عال ولتصنيف المباني الخضراء الأكثر استخداماً في العالم، وكذلك يوجد “المعيار الوطني للأبنية الخضراء” و”نجمة الطاقة” و”غرين غارد”؛ وغيرهم، وتؤثر هذه الشهادات في تطور قوانين البناء، وتدريب المتخصصين، وحتى تغيير استراتيجيات الشركات.

التطبيق المتوازن

والغاية النهائية هي إنشاء مساحة داخلية مناسبة للعمل أو السكن وذات استهلاك منخفض للطاقة الخارجية، يمكن وصفها بالاستدامة والجدوى الاقتصادية على المدى البعيد، إضافة إلى ما تتمتع به من التكيف والمرونة التي تقلل من الاعتماد على الشبكات الكهربائية ذات الحمل المفرط، ما يضمن الحفاظ على درجات حرارة داخلية مريحة حتى أثناء انقطاع التيار الكهربائي أو بوجود أحوال مناخية قاسية.

ويختصر المتخصصون مبادئ الوصول إلى بناء سلبي مستدام في نقاط عدة، أهمها إغلاق البناء على شكل غلاف محكم لتجنب ضياع الطاقة وتسرب الهواء، واستخدام أحد أنظمة التهوية الفعالة والمتوازنة لاستعادة الحرارة والرطوبة، واستخدام نوافذ عالية الأداء لتلغي الجسور الحرارية، والعزل الدائم عالي الجودة للأسقف والجدران وخفض نظام تكييف المساحات الداخلية.

والنهج الأمثل في التطبيق يتفادى الإفراط في استخدام المواد العازلة والتكاليف غير الضرورية، ما يجعل معاييرها فعالة ليس فقط في استهلاك الطاقة، لكن أيضاً من حيث الميزانية واستخدام المواد، للوصول إلى حالة من التوازن بين توفير التكاليف وكفاءة الطاقة والمرونة البيئية واستثمار بيئات داخلية مريحة وصحية في الوقت ذاته.

المصدر: اندبندنت عربية