تغير المناخ والصحة… دفتر عزاء لربع مليون إنسان!

Oct 25, 2023

تغير المناخ هو أكبر تهديد صحي يواجه البشرية كما وصفته منظمة الصحة العالمية، إذ يتسبب في حدوث 250 ألف حالة وفاة إضافية كل عام، وذلك لما ينتج عنه من سوء التغذية والملاريا والإسهال والإجهاد الحراري، كما تقدر تكاليف أضراره المباشرة على الصحة بما يتراوح بين 2 و4 مليارات دولار سنويًا بحلول عام 2030.

ولا يقتصر تأثير تغير المناخ على تهديد الصحة الجسدية فقط، بل يهدد الصحة العقلية أيضاً، إذ يؤدي إلى تفاقم عوامل الخطر الاجتماعية والبيئية، كما أن التعرض لظواهر الطقس المتطرفة، وما يترتب عليها من النزوح والمجاعات وسوء التغذية، والقلق والضيق المرتبط بتغير المناخ، يؤثر بشكل كبير على الصحة العقلية، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية.

كيف يؤثر تغير المناخ على الصحة؟

يؤثر تغيّر المناخ على المحدّدات الأساسية للصحة مثل الهواء النظيف والمياه النقية والغذاء والمأوى الملائم والسلامة من المرض، ويتسبب في عواقب وخيمة:

– سوء التغذية نتيجة لنقص الأمن الغذائي، حيث يتسبب تغير المناخ في زيادة درجات الحرارة، ويتبع ذلك فيضانات أو جفاف غير متوقع، وبالتالي تتضرر الزراعة بشكل أساسي وتقل قدرة البلدان على إنتاج المحاصيل، ما يهدّد الأمن الغذائي، ويزيد من نسبة الجوع.

ووفقاً لتقرير صدر عن منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة “الفاو”، فإن نسبة الجوع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فقط، زادت بمعدل 91.1% عمّا كانت عليه منذ عشرين عاماً، ووصل عدد الجياع إلى 69 مليون شخص في 2020.

– الإصابات والوفيات بسبب الكوارث المناخية، ففي العام الماضي؛ خرج الأمين العام لمنظمة الأرصاد الجوية، بيتيري تالاس، ليحذر من تفاقم المخاطر الصحية المرتبطة بتغير المناخ، بعدما أودت الكوارث المناخية المأساوية بحياة عدد كبير جدا من الأرواح، وقضت على سبل العيش، وعطلت خدمات الصحة والغذاء والطاقة وأمن المياه، والبنية التحتية، وظهر هذا بوضوح في الكارثة التي تعرضت لها باكستان بعدما غمرت المياه ثلث مساحتها، وتعرضت إلى خسائر بشرية واقتصادية كبيرة، إضافة إلى موجات الحر التي حطمت الرقم القياسي في الصين، وأوروبا وأمريكا الشمالية والجنوبية، وزيادة نسبة الجفاف طويل الأمد في القرن الأفريقي.

ووفقا للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، في آخر تقرير لها صدر في مايو الماضي، فقد تم الإبلاغ بين عامَي 1970 و2021 عن وقوع 11778 كارثة بسبب الظواهر المتطرفة المرتبطة بالطقس والمناخ والمياه، والتي تسببت في وفاة أكثر من مليونَي شخص، إضافة إلى خسائر اقتصادية قيمتها 4.3 تريليون دولار أمريكي.

– تفشي الأمراض مثل الكوليرا والإسهال، حيث يؤدي تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة إلى زيادة تكاثر الحشرات الناقلة للأمراض مثل الملاريا وحمى الضنك، وبالتالي يزيد عدد الأشخاص المصابين.

ويؤدي تغير المناخ أيضاً إلى تغير التوزيع الجغرافي للحشرات الناقلة للأمراض، ووجد تقرير في مجلة ذا لانست الطبية في أكتوبر الماضي، زيادة عدد الأشهر التي تتوفر فيها الظروف الملائمة بيئيًا لانتقال الملاريا بنسبة 39% في الفترة بين (2010 و2019)، مقارنة بالفترة ما بين (1950 و1959).

ويقدر الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ أن نحو 51-62 مليون شخص سيكونون معرضين لخطر الإصابة بالملاريا في شرق وجنوب أفريقيا بحلول عام 2030 بسبب الاحترار العالمي.

في السياق ذاته، كشف تقرير الملاريا العالمي في عام 2020، عن أنه في عام 2019 حدثت 94% من حالات الإصابة بالملاريا والوفيات الناتجة عنها في إفريقيا فقط.

في الوقت نفسه، ينشر تغير المناخ مرض الإسهال والذي يقتل وحده 1400 طفل يومياً حول العالم، وفقا لمنظمة اليونيسيف.

– الإجهاد الحراري، حيث يتسبب التغير المناخي في زيادة موجات الحر التي تزيد بالتالي من معدلات المرض والوفيات، خاصةً بين المسنين.

وجدت دراسة منشورة في دورية “نيتشر” أن تغير المناخ مسؤول عن 37% من الوفيات المرتبطة بالحرارة في الفترة ما بين 1991 و2018.

ووجد تقرير آخر للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، أن هناك موجتي حر متطرفتين في عام 2003 في أوروبا الغربية، وفي عام 2010 في الاتحاد الروسي، تسببتا وحدهما في حوالي 80% من الوفيات المرتبطة بظواهر الطقس في أوروبا بين عامَي 1970 و2019.

كيف تتأثر الدول النامية بالمخاطر الصحية لتغير المناخ؟

كان نصيب الدول النامية 91% من حالات الوفيات الناجمة عن تغير المناخ عالمياً، من بين أكثر من مليوني حالة تم الإبلاغ عنهم بين عامي 1970 و2020، وفقا لأطلس منظمة الأرصاد الجوية للوفيات والخسائر الناجمة عن الظواهر المتطرفة.

في الوقت نفسه، قالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية في تقريرها الأخير هذا العام، أن أفريقيا قد وقع فيها 1839 كارثة بين عامَي 1970 و2021، أودت بحياة 733,585 شخصاً، وأسفرت عن خسائر اقتصادية بقيمة 43 مليار دولار أمريكي، وقد تسببت موجات الجفاف في 95% من الوفيات المبلغ عنها.

ووفقاً للأمم المتحدة، ستكون البلدان النامية التي تفتقر إلى بنية صحية قوية، أقل قدرة على التعامل مع المخاطر الصحية المرتبطة بتغير المناخ، كما يعطل تغير المناخ أيضاً مجهودات التنمية وتحسين الصحة والحد من الفقر في هذه البلدان.

وتشير إحصائيات الأمم المتحدة إلى أن هناك نحو 12% من سكان العالم، ينفقون 10% على الأقل من دخلهم الشهري للحصول على خدمات الرعاية الصحية، لكن بالتزامن مع ذلك، لا يستفيد أفقر الناس من تأمين طبي ولا يستطيعون التعامل مع محاصرة الفقر والضغوطات الصحية.

لماذا يجب التوقف عن استخدام الوقود الأحفوري؟

“أزمة المناخ أزمة صحية، والخيارات غير المستدامة التي تقتل كوكبنا هي نفسها التي تقتل الناس”، هذا ما قاله المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس غيبريسوس، مطالباً بإجراء حلول تحويلية لكي يقلع العالم عن إدمانه للوقود الأحفوري.

وتنادي منظمة الصحة العالمية والمؤسسات المعنية بالصحة وتغير المناخ بضرورة التوقف عن استخدام الوقود الأحفوري الذي يلوث الهواء ويتسبب في أمراض خطيرة، كما وجدت دراسة أجراها البنك الدولي أن التحول عن الوقود الأحفوري قد يؤدي إلى منع 1.2 مليون حالة وفاة سنويًا ناتجة عن التعرض للمواد الجسيمية المشتقة من الوقود الأحفوري، كما قدر البنك التكلفة العالمية للأضرار الصحية المرتبطة بتلوث الهواء بـ 8.1 تريليون دولار أمريكي سنويًا، أي ما يعادل 6.1% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإن هناك 99% من الناس يتنفسون هواء غير صحي ناجم في الأساس عن حرق الوقود الأحفوري، ما يؤدي إلى وفاة 13 شخص كل دقيقة.

ويمثل التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري فرصة مهمة للاستثمار في الطاقة المتجددة مثل الرياح أو الطاقة الشمسية، وللتقليل من الانبعاثات الناتجة عن قطاع النقل، من خلال استخدام السيارات الكهربائية التي تعمل بالطاقة النظيفة.

ووفقا للأمم المتحدة، فإن دخان الطهي باستخدام أنواع الوقود الملوثة مثل الخشب أو الكيروسين أو الفحم يتسبب في أكثر من 3 ملايين حالة وفاة مبكرة سنويًا.

يذكر التقرير بوضوح أن فوائد الصحة العامة من جراء تنفيذ إجراءات مناخية طموحة تفوق بكثير التكاليف.

لماذا من المهم التحول إلى أنظمة غذائية مستدامة؟

“لقد بات من الواضح، أكثر من أي وقت مضى، أن أزمة المناخ هي إحدى أكثر حالات الطوارئ الصحية إلحاحا التي نواجهها جميعا. خفض تلوث الهواء والتحول إلى أنظمة غذائية أكثر اعتمادا على النباتات يمكن أن تقلل الانبعاثات العالمية بشكل كبير”، هذا ما قالته ماريا نيرا، مديرة البيئة والصحة بمنظمة الصحة العالمية، والتي بيّنت أن اتباع أنظمة غذائية أكثر مرونة يساعد على تجنب ما يصل إلى 5.1 مليون حالة وفاة مرتبطة بالنظام الغذائي سنويا، بحلول عام 2050.

ووفقا للأمم المتحدة، يحتاج الطعام إلى زراعته ومعالجته ونقله وتوزيعه وتحضيره واستهلاكه والتخلص منه، وكل هذه الخطوات تولد الغازات الدفيئة التي تساهم في تغير المناخ، لذا يرتبط حوالي ثلث انبعاثات الغازات الدفيئة التي يسببها الإنسان بالغذاء.

وتحدث أغلب انبعاثات الغذاء في أثناء عمليات إنتاج المنتجات الحيوانية مثل اللحوم الحمراء ومنتجات الألبان، وفي المقابل؛ يتطلب إنتاج الأطعمة النباتية مثل الفواكه والخضروات والحبوب استهلاكا أقل من الطاقة والمياه، لذا أصبح من الضروري اتباع أنظمة غذائية مستدامة، والتي لها بالتوازي تأثير إيجابي على صحة الأفراد، لأن الأشخاص الذين يتناولون وجبات غنية بالخضراوات والفاكهة أقل عرضة للإصابة بالسمنة وأمراض القلب والسكتة الدماغية والسكري وأنواع معينة من السرطان.

المصدر: العين