كيف يساهم سوق الكربون الطوعي في مكافحة تغير المناخ؟

Oct 15, 2023

اكتسبت أسواق تداول الكربون سمعة عالمية واسعة الانتشار بين خبراء البيئة والمناخ خلال السنوات الماضية، بوصفها بديلاً تمويلياً مساعداً لخطط انتقال الطاقة وخفض الانبعاثات العالمية.

وتتزايد مبادرات إنشاء أسواق الكربون حول العالم، منذ إطلاق أول سوق رائدة لها في أوروبا عام 2005، لتنضم السعودية أخيراً إلى هذه المبادرات بإطلاقها سوق الكربون الطوعي لتقليل الانبعاثات.

وتتجه المبادرات العالمية الحديثة لخفض الانبعاثات إلى التركيز على مشروعات التقاط الكربون من الهواء مباشرة، بهدف خفض كثافة وجوده في الغلاف الجوي، بالتوازي مع مشروعات الطاقة المتجددة.

إطلاق سوق الكربون

في خطوة تراها السعودية ضمن مواجهة تحديات تغيّر المناخ وتمكين المؤسسات من تقليل انبعاثاتها، أطلقت الرياض “سوق الكربون الوطنية الطوعية”، في تأكيد لالتزامها بمكافحة التغير المناخي، وفق ما أعلنه وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان.

وخلال حفل إطلاق تقرير “أوبك” السنوي في الرياض، قال الوزير إن طموح السعودية هو أن “تمتلك زمام المبادرة والقيادة في هذا المجال”.

كما كشف عن إطلاق السعودية برنامجاً يتعلق بشح الطاقة في العالم، ويتضمن تقديم المساعدة للدول والمجتمعات التي تعاني شحاً في الطاقة، وذلك عبر دعمها بتوفير الغاز والطاقة المتجددة.

وفي اليوم ذاته أعلنت اللجنة الوطنية لآلية التنمية النظيفة في السعودية، تفعيل آلية السوق لتعويض وموازنة غازات الاحتباس الحراري، وذلك في إطار فعاليات “أسبوع المناخ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لعام 2023” الذي احتضنته الرياض.

وتعكس هذه الخطوة -حسب ما نشرته وكالة الأنباء السعودية- الدور الذي تقوم به السعودية بالمنطقة في مواجهة تحديات تغيّر المناخ وتمكين المؤسسات من تقليل انبعاثاتها، في إطار الجهود الرامية إلى الإسهام في تقليل الآثار السلبية الناجمة عن التغير المناخي، تحقيقاً لمستهدفات الاستدامة البيئية في “رؤية 2030”.

كما أشارت الوكالة إلى أن الإعلان عن تفعيل آلية تعويض وموازنة غازات الاحتباس الحراري، يأتي تطبيقاً لمبادرة طرح آلية السوق المحلية التي أعلنها وزير الطاقة خلال “مبادرة السعودية الخضراء” على هامش مؤتمر (كوب27) بشرم الشيخ في نوفمبر 2022.

قطار بالهيدروجين

وقد أعلن وزير الطاقة السعودي أن السعودية ستشهد بدء تجربة قطار يعمل بالهيدروجين قريبا، وقال في كلمته في أسبوع المناخ “ستتم تجربته الأسبوع المقبل، ونأمل أن يكون لدينا في الأشهر القليلة المقبلة أول قطار يعمل بالهيدروجين في الشرق الأوسط”.

من جهتها، أشارت الخطوط الحديدية السعودية “سار” إلى أن إطلاق تجارب القطار بالسعودية سيكون في شهر أكتوبر الجاري، وذلك عقب توقيعها اتفاقية مع شركة “ألستوم” الفرنسية، بهدف إجراء التجارب التشغيلية والدراسات اللازمة للعمل على تجهيز هذا النوع من القطارات ليتلاءم مع بيئة السعودية وأجوائها، وذلك تمهيداً لدخولها الخدمة مستقبلاً.

بدوره، قال وزير النقل والخدمات اللوجيستية السعودي صالح الجاسر، إن الخطوة تأتي ضمن مستهدفات الاستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجيستية، وخطط التحول إلى منظومة نقل أكثر استدامة تعتمد أحدث التقنيات الذكية.

وأكد الرئيس التنفيذي لشركة “سار”، بشار المالك، أن القطار يُعد من أهم الابتكارات الحديثة في مجال النقل المستدام، وذلك عبر توليد الطاقة اللازمة لتشغيل وحركة القطارات من دون أي انبعاثات كربونية. ولفت إلى أنه يتمتع بمجموعة من الفوائد تجعله خياراً جذاباً للطاقة المستدامة.

التوازن بين الاقتصاد والطاقة

يرى الخبير الاقتصادي أحمد صدام، أن الهدف من هذه الخطوة يأتي في إطار “دعم الاستراتيجيات والسياسات المتعلقة بالمناخ والتي تنسجم مع خطة السعودية في الوصول الى الحياد الصفري عام 2060”.

ولفت إلى أن السعودية تهدف من كل ذلك إلى “تحقيق حالة من التوازن بين النمو الاقتصادي وأمن الطاقة العالمي”، مؤكدا أن السعودية “اتخذت خطوات سابقة عديدة نحو تقليل الانبعاثات؛ مثل البرنامج الوطني للطاقة المتجددة ومبادرة السعودية الخضراء ومشروع نيوم الذي يأخذ في تصميمه وإعداده أهمية البيئة والطاقة النظيفة”.

أما المحلل الاقتصادي رداد الشامي، فيرى أن ذلك من جانب اقتصادي يمكن تفسيره بأنه يأتي “في إطار الالتزام بالمسؤولية البيئية”، مشيراً إلى أن عديداً من الدول “تتحرك نحو تحقيق أهداف الاستدامة البيئية وتقليل الانبعاثات الضارة بالبيئة”. وأضاف “إن إطلاق سوق الكربون الطوعي يعكس التزام السعودية بمكافحة تغير المناخ والمشاركة في جهود الانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون”، مؤكدا أن ذلك يأتي “في إطار تعزيز الاقتصاد الأخضر”.

وفي ما يتعلق بإطلاق أول قطار يعمل بالهيدروجين، يشير إلى أنه يمكن رؤيته كـ”جزء من استراتيجية السعودية للتنويع الاقتصادي وتطوير قطاع النقل الخاص بها”، مضيفا أن “الهيدروجين وقود نظيف يمكن أن يلعب دوراً مهماً في تحقيق أهداف تخفيض الانبعاثات، كما أن استخدام الهيدروجين في وسائل النقل يمكن أن يقلل من اعتماد البلاد على الوقود الأحفوري ويسهم في تقليل التلوث البيئي”.

تأسيس شركة الكربون

ولعل مُضي السعودية نحو سوق الكربون قد بدأ في أكتوبر 2022، حينما كشف صندوق الاستثمارات العامة السعودي عن تأسيس شركة سوق الكربون الطوعي الإقليمية، بملكية 80٪ له، مقابل 20٪ لمجموعة تداول السعودية القابضة، لدعم الشركات والقطاعات في المنطقة، ولتمكينها من الوصول إلى الحياد الصفري.

وكان الصندوق والمجموعة قد أعلنا سابقاً عن مبادرة السوق الطوعية لتداول الائتمان الكربوني في سبتمبر 2021، حيث أشاد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بالدور الرائد للسعودية بالمنطقة في مواجهة تحديات تغيّر المناخ وتحفيز المؤسسات على تقليل انبعاثاتها الكربونية.

وفي يونيو الماضي، كشفت الرئيسة التنفيذية لشركة “سوق الكربون الطوعي الإقليمية”، ريهام الجيزي، عن التخطيط لإطلاق منصة التداول الخاصة بسوق الكربون الطوعي في النصف الأول من العام المقبل 2024. وأضافت أنه منذ تأسيس الشركة “نجحنا في إطلاق أول مزاد بالرياض لبيع 1.4 مليون طن من أرصدة الكربون، والثاني في العاصمة الكينية لبيع 2.2 مليون طن من أرصدة الكربون الطوعية”.

وتتمثل مهمة شركة سوق الكربون الطوعي الإقليمية في تأسيس سوق قوية قادرة على إصدار وتداول أرصدة ائتمانات الكربون واستعمالها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كما سيكون لها دور محوري في تيسير التحول إلى اقتصاد عالمي منخفض الكربون.

المصدر: الخليج أونلاين