نفور الشعوب غير الملائم من السياسات المناخية

Oct 12, 2023

لقد أثبتت الديمقراطية أثرها السيء في كوكبنا. وإذا كان الأمر جريئا زعما، فلنفكر في الوقائع التي نعيشها؛ ونحن على مشارف انعقاد الدورة الثامنة والعشرين من مؤتمر الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ في دبي الشهر القادم.

يتمثل أهم العناصر في جدول أعمال مؤتمر الأطراف المشاركة في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (كوب28) في إجراء أول “تقييم عالمي للوضع الراهن” للوقوف على مدى التقدم المحرز نحو تحقيق أهداف اتفاق باريس للمناخ 2015 الذي يشكل إلزامًا قانونيًا.

إنذار كاشف للأحداث: إن العالم لا يبتعد فقط عن مسار تحقيق أهدافه –بكل أسف– فيما يتعلق بتقليل الانبعاثات، بل إن الالتزامات الجماعية التي تعهّدت بها الدول أدنى بكثير مما يلزم فعليًا لإبقاء الاحترار العالمي دون 1.5 درجة مئوية.

وقد أعلنت الأمم المتحدة أنه حتى إذا التزمت كل دولة من الدول التي أصدرت مساهمة محددة وطنيًا والبالغ عددها 193 دولة بتعهداتها، فبدلاً من انخفاض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 45 في المئة المطلوب تحقيقه بحلول عام 2030، سنظل في طريقنا نحو تحقيق زيادة بنسبة 10 في المئة.

قليل من الدول –بالطبع– هي التي تفي بالتزاماتها. ولكن لماذا؟ يعزى ذلك حسب ما تقول الأمم المتحدة إلى أن “الجودة والتطلعات تتباين للعديد من الأسباب، من بينها عدم كفاية الالتزام السياسي”.

كما هو الحال في الكثير من دول مجموعة العشرين المسؤولة بشكل جماعي عن 80 في المئة من انبعاثات الغازات الدفيئة، فإن التقدم نحو تحقيق الأهداف أمر مرهون بالسياسات.

عندما يتعلق الأمر بتغير المناخ، فإن الحكومات المنتخبة تحارب الجهل والمصالح الشخصية، وهذا ما يثيره المنافسون السياسيون، وتدفعه المصالح التجارية المكتسبة والتوجهات الفكرية التحررية التي يستفيد أصحابها من خلال إقناع الناخبين بأن الاحترار العالمي مجرد خرافة، وأن أيّ محاولة لتخفيف حدته لا بد من أن تقاوَم بوصفها اعتداءً على الحريات الشخصية.

من المثير للاستياء أنه ثمة دليل يتضح يومًا بعد يوم على أن الحكومات التي تواجه هذا النوع من المعارضة تضحّي بما فيه الصالح الأعم لشعوبها، وتحنث في تعهداتها المتفق عليها دوليًا لتظل محتفظة بالحكم.

ومن أكثر الأمثلة السافرة على ذلك ما يحدث الآن في المملكة المتحدة، حيث يخوض الحزب المحافظ –الذي يحكم البلاد منذ عام 2010– صعوبات بالغة في الانتخابات، ما جعل له طموح بائس بعد إحرازه نصرًا محدودًا في الانتخابات في ضواحي لندن.

والآن على الرغم من توقع إقصائه، لا يزال مرشحه يحظى بأغلبية هزيلة، بسبب المعارضة التي يلقاها أمام توسيع منطقة الهواء النقي في لندن على حساب سائقي المركبات في المنطقة.

وعلى أمل حدوث مشكلة مفرقة للأصوات من أجل الفوز بالانتخابات، بدأ رئيس الوزراء ريشي سوناك التخلص من السياسات الصديقة للبيئة من برنامجه في محاولة منه للاستمرار في منصبه، وذلك بعد عامين فقط من استضافة المملكة المتحدة لمؤتمر المناخ (كوب26).

ومن بين هذه الممارسات تأجيل الحظر على بيع مركبات البنزين والديزل الجديدة لخمس سنوات، وإهمال الخطط التي تشترط تصنيفات أعلى لكفاءة الطاقة في المنازل المؤجرة، والتخلي عن الالتزام بفرض تركيب أنظمة التدفئة الجديدة ذات الانبعاثات الكربونية المنخفضة فقط بحلول عام 2035.

وفي ظل انشغال سوناك بتلك الأمور، أعلن أن حكومته قد أصدرت 100 ترخيص جديد للشركات للتنقيب عن النفط والغاز في بحر الشمال.

ليست الحكومة البريطانية هي الحكومة الوحيدة التي أبدت موقفًا متخاذلاً تجاه قضية تغير المناخ. ففي هذا الصيف في ألمانيا، وهي التي تعهدت بأن تصبح محايدة مناخيًا بحلول عام 2045، أوشكت الحكومة الاتحادية على طي صفحة الخطط المقررة لحظر تركيب غلايات جديدة تعمل بأقل من 65 في المئة من الوقود المتجدد بحلول عام 2024. ولتحفظ الحكومة ماء وجهها، فقد أجلت الموعد النهائي لذلك إلى عام 2028 على الأقل.

وفي فرنسا، أسفرت خطط فرض ضريبة الكربون على السيارات التي صدرت في عام 2018 عن اندلاع تظاهرات واسعة، ما أدى بها إلى التخلي عن البرنامج.

أما في إيطاليا، فقد كشفت دراسة عن أنه بغض النظر عن أنماط التصويت السابقة، كان مالكو السيارات الملوِّثة للبيئة المحظورة في ميلان أكثر ترجيحًا من غيرهم إلى حد كبير في قيامهم بالتصويت لصالح رابطة أحزاب اليمين الشعبوية، التي كانت تعارض الحظر.

إن الواقع الذي يواجه الآن كل حكومة منتخبة تأمل في وضع سياسات صديقة للبيئة هو أن شعبها –أيًا كان مدى التزامه بإعادة تدوير البلاستيك– سيرفض معظم التدابير المفروضة التي تكلفه أموالاً بصورة مباشرة.

وحتى أولئك الناخبين الذين يقبلون حقيقة أنه “لا بد من فعل شيء ما” ستقتضي طبيعتهم البشرية أن يحجم الكثيرون منهم عن بذل تضحيات شخصية. فالأمر يحتاج إلى أشخاص من نوع خاص يحملون في نفوسهم من الإيثار ما يجعلهم يتحملون تكاليف شخصية مباشرة لتحقيق منافع غير ملموسة تعود على المجتمع في المستقبل البعيد.

ربما يرجع ذلك إلى الإخفاق في نشر القضية أو نتيجة السأم من الممارسات الصديقة للبيئة المدفوعة بتحذيرات لا نهاية لها من المصير المحتوم.

وعلى أي حال، فتلك هي خطورة الأوضاع التي يحتاج مؤتمر المناخ (كوب28) إلى التعامل معها وجهًا لوجه الشهر القادم، إذا لم يكن أمام العالم سوى فرصة ضئيلة لإصابة أهدافه المناخية.

والآن ينبغي على السياسيين الجادين في مواجهة التحديات المناخية –وليس الذين يستغلونها للوصول إلى الحكم– تقديم حوافز مقنعة وإجابات شافية عن التساؤلات الصعبة.

لم يعد من الكافي مجرد الحديث عن إنقاذ الكوكب؛ إذ تحتاج الحكومات الآن إلى انتهاج نهج جديد لترويج السياسات البيئية بين صفوف الناخبين المتشككين.

لقد اتخذ مؤتمر (كوب28) “العالم يد واحدة” شعارًا له. ولكن تبقى كيفية تحقيق ذلك غير واضحة، ولا يسعنا الآن إلا أن نأمل أن تكون لدى الإمارات العربية المتحدة خطة فعالة وجذرية لفعل ذلك. الأمر الذي بات ضرورة.

إن ما نقف أمامه من صراع الآن أكبر وأهم من أن يترك تحت رحمة تلك السياسات الدنيئة، التي جعلت المملكة المتحدة تدير ظهرها –بكل أسف– لالتزاماتها بالممارسات الصديقة للبيئة التي تعهدت بها.

بقلم: جوناثان جورنال – صحيفة العرب