مبادرات ابتكارية بمعايير خضراء

Oct 11, 2023

يتجه العالم لاستخدام طاقة الهيدروجين، ويعود هذا التحرك لأن هناك عديدا من المزايا والأسباب الاقتصادية والبيئية والسياسية وراء الاهتمام بالهيدروجين بوصفه مصدرا للطاقة، إلا أن قضية التغير المناخي -لكونه وقودا صديقا للبيئة- هي السبب الرئيس لتبنيه في الوقت الحالي، خاصة مع وفرة الطاقة المتجددة التي يمكن استغلالها لتوليد الكهرباء، ومن ثم استخدامها في إنتاج الهيدروجين. كما يمكن استخدام هذه الطاقة النوعية في كثير من مناحي الحياة خاصة قطاع النقل وبشكل أوسع.

وعلى هذا الصعيد تسعى السعودية لكي تصبح أكبر مصدر للهيدروجين في العالم، ولديها خطط طموحة لتحقيق ذلك. ويأتي ذلك في إطار خطتها التي تبحث عن طاقة نظيفة مع مواكبة التقنيات التي تخدم أجيال المستقبل، التي من شأنها جعل السعودية رائدا عالميا في مجال إنتاج الهيدروجين. ويدعم هذا التوجه عدة مقومات ومكونات متوافرة على أراضيها. السعودية ملتزمة بالانتقال إلى نظام طاقة أنظف وأكثر استدامة. إذ تعد الطاقة مدخلا أساسيا في معظم عمليات الإنتاج في القطاع الصناعي، وعنصرا لا غنى عنه في تنويع الصادرات واستراتيجيات استبدال الواردات. وقد قطعت شوطا كبيرا في إطار رؤية 2030 من حيث تنويع مصادر الطاقة وزيادة المحتوى المحلي، وذلك من خلال تطوير قطاعات صناعية جديدة والاستفادة من سلاسل الإمداد الحالية. أما في الوقت الحاضر، فشهرة الهيدروجين تزايدت على مستوى دولي بوصفه صادرات قيمة ومصادر واعدة للطاقة النظيفة. وتمر السعودية حاليا بنقلة نوعية من خلال اعتمادها الهيدروجين وتفعيل الاقتصاد الدائري للكربون.

ومن هنا ومع إطلاق أولى التجارب للقطارات الهيدروجينية، تحقق السعودية بصورة مستمرة مستهدفاتها الاستراتيجية التي تضمنتها رؤية 2030. فهذا النوع من تقنيات النقل المستدامة، يمثل توجها رئيسا ليس في مجالات النقل فحسب، بل على صعيد المخططات الهادفة للوصول إلى الحياد الكربوني في 2060. والسعودية وضعت سلسلة لا تنتهي من الخطط وطرحت أيضا مبادرات متوالية في هذا المجال الحيوي المستقبلي الذي يشمل أيضا، المبادرة الشهيرة التي أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في 2021 تحت عنوان عريض هو “السعودية الخضراء”، التي تهدف إلى رفع الغطاء النباتي، وتقليل انبعاثات الكربون، ومكافحة التلوث. إنها مبادرات تثير اهتماما عالميا، خصوصا مع القفزات النوعية التي تحققها السعودية على صعيد تنفيذ مستهدفات “رؤية 2030″، والالتزام الدقيق بالمدد المحددة لها.

تشغيل القطارات الهيدروجينية في السعودية يعد الأول من نوعه في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. علما بأن هذه التقنية تعد حديثة، إذ إنها انطلقت عمليا لأول مرة في ألمانيا في 2018، رغم أنها استخدمت في أنواع من الحافلات والسيارات قبل ذلك التاريخ. إلا أن تشغيل القطارات بها، يمثل نقلة جديدة لأن القطارات كثيرة، وتحمل أعدادا كبيرة من الركاب، إلى جانب أطنان من السلع. ومن هنا، فإن الخطوة السعودية المتقدمة هذه، تضمن تلقائيا خفضا كبيرا للانبعاثات، وتسهم في مزيد من الحماية للبيئة والمناخ بشكل عام. والرياض مصممة على استكمال هذا النوع من المشاريع، ولا سيما أنها تمتلك البنية التحتية اللازمة، وقادرة على تطويرها إذا لزم الأمر في فترة زمنية قصيرة.

ولا بد من الإشارة، إلى أن السعودية تطلق تجاربها الأولى للقطارات الهيدروجينية المتطورة، في حين لا تزال ألمانيا التي تقدمت على مستوى العالم في هذا النوع من آليات النقل، تعتمد تشغيلا تجاريا محدودا لها منذ 2022. أي أن الشبكة لم يتسع نطاقها بعد. فالسعودية تمضي قدما في مشاريع تتحدث عن المستقبل حتى في مراحلها المبكرة الأولى، وهذا ما يعزز مكانتها في هذا الميدان على المستويين الإقليمي والعالمي. فالقطار الهيدروجيني يظل من أهم الابتكارات الحديثة التي تختص بالنقل والشحن والبيئة والمناخ، واعتماده من قبل السعودية يمنحها مزيدا من الوقود لمخططاتها ذات الصلة. فالهدف الأول هو استكمال استراتيجية “السعودية الخضراء” التي تشهد مجموعة من المبادرات، تسهم مباشرة في تحقيق الأهداف الموضوعة في هذا المجال. وعلى رأس ذلك، الاعتماد على الطاقة النظيفة.

ويأتي هذا التوجه من خلال تعاون مشترك بين المنظمة ومختلف الجهات، لماذا؟ لتحسين جودة الحياة، وحماية الأجيال القادمة عبر استخدام مصادر نظيفة للطاقة في العمليات التشغيلية. وهذا بالطبع هدف أساس منذ اليوم الأول لإطلاق رؤية 2030. والتعاون يمضي مع جهات فاعلة على صعيد الطاقة الهيدروجينية، بما في ذلك الاتفاق مع شركة ألستوم الفرنسية الرائدة في هذا القطاع عموما. كل هذا يأتي ضمن نطاق التزام الجهات السعودية المختصة بدورها في تنفيذ مبادرات نوعية، تتمتع بدعم لا محدود من جانب القيادة، التي وضعت أعلى المعايير من أجل ضمان مستقبل عالي الجودة وآمن ومتطور ومنتج، فضلا عن حرصها على توفير الأرضية الصلبة للأجيال القادمة في كل ميدان. لا يمكن النظر إلى التجارب الأولى للقطارات الهيدروجينية في السعودية، إلا في إطار صناعة المستقبل الذي يليق بقدراتها، وبمكانتها على الساحتين الإقليمية والدولية. والأهم التعهدات التي ألزمت السعودية نفسها بها في كل مجال يخدم الإنسان.

المصدر: افتتاحية صحيفة الاقتصادية