تحولات المناخ تضغط على منتجي النفط

Sep 30, 2023

بينما تشن الدول الغربية بخاصة أميركا وبريطانيا حملة تصريحات سياسية على الدول المنتجة للنفط حول العالم توسعت الدولتان في السعي نحو زيادة الإنتاج النفطي فيهما بشكل غير مسبوق، إذ يتعرض رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك لانتقادات من أنصار البيئة وناشطي مكافحة التغيرات المناخية، حتى من داخل حزبه –حزب المحافظين الحاكم– بعد أن وافقت حكومته على منح نحو 100 تصريح للتنقيب عن النفط والغاز قرب شواطئ اسكتلندا.

أما في الولايات المتحدة، التي تضغط على الشركات لزيادة إنتاج النفط والغاز بهدف رفع الإنتاج بنحو أربعة ملايين برميل يومياً خلال السنوات القليلة المقبلة، فقد منحت إدارة الرئيس جو بايدن تصاريح تنقيب واستكشاف أكثر مما منحته الإدارة السابقة للرئيس دونالد ترمب. منها في مارس الماضي موافقة الحكومة الأميركية على مشروع التنقيب في المناطق المحمية بآلاسكا بكلفة ثمانية مليارات دولار، ومنح تراخيص تنقيب في مساحة 73 مليون فدان في مياه خليج المكسيك.

تناقض سياسات

يرى المتحمسون لمكافحة التغيرات المناخية ومناصرو البيئة أن تلك السياسات البريطانية والأميركية تتعارض مع التزامات وتعهدات خفض الانبعاثات الكربونية المسببة للاحتباس الحراري، إذ كانت بريطانيا التي استضافت مؤتمر المناخ الدولي (كوب26) في العام قبل الماضي 2021 زعمت ريادتها في الوصول إلى صفر انبعاثات كربونية بنهاية العقد الحالي وعلى الأكثر عام 2050، لكن سياسة الطاقة لحكومة المحافظين تبدو لأنصار البيئة مناقضة لتلك التعهدات.

كذلك الحال مع الإدارة الأميركية التي أطلقت ضمن قانون خفض التضخم هذا العام حزم دعم وتشجيع مالي لمشروعات الطاقة النظيفة بهدف تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري لخفض الانبعاثات الكربونية، لكن سياستها في دعم زيادة إنتاج النفط والغاز، لتلبية الطلب المحلي والتصدير إلى أوروبا كبديل للنفط الروسي الذي حظرته العقوبات بسبب الحرب في أوكرانيا، تتناقض مع تعهد مكافحة التغيرات المناخية.

الأهم أن حزم الدعم ضمن قانون خفض التضخم تضمنت ميزات مالية هائلة لشركات الطاقة الكبرى الأميركية لتطوير تكنولوجيا حبس الكربون من الهواء وتخزينه. وأعلنت وزارة الطاقة الأميركية مطلع أغسطس عن 1.2 مليار دولار لدعم تطوير منشآت التقاط الكربون من الجو وتخزينه في ولايتي تكساس ولويزيانا (حيث أكبر إنتاج للنفط والغاز). وأصبحت شركة “أكسيدنتال بروليم” أكبر المستفيدين من حزم الدعم تلك حتى الآن.

ومن بين ما تضمنته حزم الدعم زيادة حد الإعفاء الضريبي الذي يخصم من ضرائب الشركات من 50 إلى 85 دولاراً لطن الكربون المخزن ومن 50 إلى 180 دولاراً لطن الكربون المسحوب من الهواء. تلك التكنولوجيا التي ترى الدول المنتجة والمصدرة للوقود الأحفوري أنها الحل الأمثل لمكافحة التغير المناخي مع استمرار توفير مصادر الطاقة التقليدية لتلبية الطلب العالمي. وتحاجج الدول الصناعية بأنها غير كافية، بينما هي تشجعها في بلادها ولصالح شركاتها.

الاعتماد على النفط

حتى الآن، لا تشكل الطاقة من مصادر متجددة مثل الشمس والرياح ومساقط المياه وغيرها سوى ما بين 5.5 و6 في المئة من احتياجات الطاقة العالمية، لذا نجد تقديرات زيادة الطلب على النفط، سواء من وكالة الطاقة الدولية التي تمثل الدول المستهلكة، أو من منظمة “أوبك” التي تمثل الدول المنتجة والمصدرة في نمو. ومن المرجح أن يصل الطلب العالمي على النفط إلى ما يقارب 105 ملايين برميل يومياً العام المقبل.

وعلى الرغم من حركات النشطاء المناصرين للبيئة والمحذرين من أثر الوقود الأحفوري “فحم ونفط وغاز” في التغير المناخي الضار، فإن الاقتصاد العالمي يظل معتمداً على ذلك الوقود كمصدر أول للطاقة لعقود. حتى التحول من الطاقة التقليدية إلى الطاقة النظيفة يحتاج إلى هذا المصدر من ناحية لتمويل مشروعات الطاقة البديلة ومن ناحية كمصدر تشغيل لتلك المشروعات حتى تصبح في وضع يتسق مع خطط خفض الانبعاثات الكربونية.

لذا، لا تلقى دعوات جماعات مثل “أوقفوا النفط” في بريطانيا وأمثالها قبولاً لدى المسؤولين عن وضع سياسات الطاقة العالمية. حتى موقف الأمم المتحدة، التي تنظم مؤتمر الأطراف (كوب) سنوياً وحملة أمينها العام على استخدام النفط تبدو غير منطقية بنظر أغلب الاقتصاديين والمحللين. وتقوم الأمم المتحدة حالياً بحملة لمنع مشاركة شركات الطاقة في مؤتمر (كوب28) الذي تستضيفه الإمارات في نوفمبر القادم.

وكما كتب ديفيد بلاكمون في صحيفة “الديلي تلغراف” فإنه “من الجنون استبعاد شركات الطاقة من محادثات مكافحة التغير المناخي”. كانت الشركات استبعدت من مؤتمر (كوب26) في بريطانيا، لكنها شاركت في (كوب27) الذي استضافته مصر العام الماضي. وبحسب بلاكمون كان ذلك إنجازاً من الضروري المحافظة عليه لأن “لصناعة الوقود الأحفوري دور مهم في إدارة مكافحة التغيرات المناخية”.

ففي مؤتمر المناخ العام الماضي بمصر كان تمويل سياسات الحد من الانبعاثات الكربونية في مقدمة موضوعات المناقشة. ولا يقدر على توفير ذلك التمويل أكثر من شركات الطاقة الكبرى عبر مشاركتها في تطوير تكنولوجيا اصطياد الكربون من الهواء وحبسه وتخزينه، وذلك كفيل بضمان استمرار النفط وغيره مصدراً لنمو الاقتصاد العالمي من ناحية. وكذلك تلك هي الشركات التي يمكن أن تمول التوسع في مصادر الطاقة النظيفة لتحل محل الوقود الأحفوري.

حلول مبتكرة

بحسب تصريحات المسؤولين عن مؤتمر (كوب28)، فإن من بين أهم ما سيناقش فيه الاستثمار في تكنولوجيا حبس الكربون الناجم عن استخدام النفط مصدر للطاقة في العالم. وتبدي الشركات الكبرى استعدادها لاستثمار عشرات المليارات في هذا السياق. كذلك التوسع في مشروعات الطاقة البديلة النظيفة والمتجددة، لكن كل ذلك التمويل لن يكون ممكناً في حال تراجع عائداتها وأرباحها من النفط والغاز الذي يعد حتى الآن مصدر نشاطها الأول.

وليس هذا النشاط بغرض العائد والربح فقط، بل هو ضروري لضمان تلبية احتياجات الاقتصاد العالمي من الطاقة. وفي العامين الأخيرين تكررت التصريحات، ليس من قبل المنتجين فحسب بل أيضاً على لسان مدير وكالة الطاقة الدولية، في شأن الحاجة لاستثمار مئات مليارات الدولارات في صناعة النفط والغاز، ذلك من أجل ضمان استقرار السوق وقدرة العرض على طلبية الطلب العالمي المتزايد، كذلك يحتاج العالم للاستثمار في النفط والغاز لتقليل الاعتماد على الفحم الذي زاد استخدامه في الأعوام الأخيرة، ليس فقط في اقتصادات صاعدة مثل الصين والهند وإنما أيضاً في أوروبا والولايات المتحدة، ذلك على الرغم من أن استخدام الفحم تنتج عنه انبعاثات كربونية ملوثة للهواء أكبر بكثير من النفط والغاز. فإنتاج مليون وحدة حرارية بريطانية من الطاقة بحرق الفحم ينتج عنه 103 كغم من ثاني أكسيد الكربون، بينما هذا الرقم بالنسبة لحرق الديزل أو زيت التدفئة (مشتقات النفط) هو 74 كغم، وللبنزين عند 70 كغم أما بالنسبة للغاز الطبيعي فهو 53 كغم فقط.

وإذا كان الطلب العالمي على الفحم ارتفع العام الماضي 2022 بأكثر من 1.2 في المئة ويتوقع أن ترتفع هذه النسبة أكثر هذا العام، فمن المهم لصالح جهود الحد من الانبعاثات الكربونية تقليل الاعتماد على الفحم ولو في مرحلة انتقالية عبر استخدام النفط والغاز مع تطوير تكنولوجيا التخلص من الكربون في الهواء.

أما الاستثمار في الطاقة النظيفة المتجددة، فيحتاج إلى تغيير السياسات الحكومية بالشكل الذي يسمح بتوفير التمويل لمضاعفة نصيبها من احتياجات الطاقة العالمية. فحسب سيناريو خفض الانبعاثات الكربونية المطلوب بحلول عام 2030 يحتاج العالم لزيادة نصيب الطاقة النظيفة من الطلب العالمي الإجمالي على الطاقة إلى 13 في المئة. ولا يبدو المسار الحالي كافياً لتحقيق هذا المستهدف، ما لم يكن هناك دور أكبر لشركات النفط والغاز.

بقلم: أحمد مصطفى – اندبندنت عربية