تغير المناخ… هل يحمي قانون البحار الدول الجزرية النامية؟

Sep 28, 2023

شهدت مدينة هامبورغ الألمانية في 11 من سبتمبر الحالي، جلسات المحكمة الدولية لقانون البحار التابعة للأمم المتحدة (إيتلوس)، التي بدأت بمساعي تسع دول جزرية صغيرة؛ للمطالبة بحماية محيطات العالم من تداعيات التغير المناخي ذات الأثر الأكبر على هذه الدول.

ورغم كونها تسهم بأقل من 1% فقط من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، فإن الدول الجزرية الصغيرة تتحمل العبء الأكبر لأزمة المناخ وتكافح من أجل إحراز تقدم في جميع أهداف التنمية المستدامة.

“ظلم واضح”

وصرّح رئيس وزراء دولة توفالو، كوسيا ناتانو، قائلاً: “ترتفع مستويات سطح البحر بشكل سريع، وهو ما يهدّد بإغراق أراضينا تحت المحيط، والظواهر الجوية المتطرفة التي يزداد عددها وتتفاقم شدتها عاماً بعد عام، تقتل شعبنا وتدمر بنيتنا التحتية”، وفق صحيفة “الغارديان” البريطانية.

وأشار ناتانو في بيان له، إلى أنّ اللجوء إلى المحكمة هو لـ”طلب المساعدة العاجلة”، وأنّ “القانون الدولي هو آلية أساسية لتصحيح الظلم الواضح الذي يعاني منه شعبه نتيجة تغير المناخ”. فيما قال رئيس وزراء أنتيجوا وبربودا، جاستون براون، إنّ “هذا هو الفصل الافتتاحي في النضال من أجل تغيير سلوك المجتمع الدولي، من خلال توضيح التزام الدول بحماية البيئة البحرية”.

وأضاف للمحكمة أنّه “حان الوقت للتحدث فيما يتعلق بالالتزامات الملزمة قانوناً، بدلاً من الوعود الفارغة التي لا يوفى بها”، وفقاً لما جاء في بيان جلسة المحكمة المنعقدة في 11 سبتمبر الحالي.

وتشير التقديرات إلى أنّ 50% من أراضي عاصمة توفالو، فونافوتي، ستكون مغمورة تحت مياه الفيضانات مع حلول عام 2050.

الدول الجزرية الأكثر تضرراً

يبلغ إجمالي عدد الدول الجزرية حول العالم 48 دولة، ويقع أكثر من نصفها في منطقة البحر الكاريبي وأوقيانوسيا، حسب إحصائيات موقع “World Population Review” لعام 2023.

وتعدّ إندونيسيا أكبر دولة جزرية في العالم، إذ يُقدر عدد سكانها بنحو 277 مليون نسمة، يقيمون على مساحة 1.9 مليون كيلومتر مربع، فيما توجد دولتان جزريتان عربيتان هما البحرين وجزر القمر.

والدول الجزرية، هي دول ذات سيادة تقع أراضيها على جزيرة واحدة أو أكثر أو على أجزاء من الجُزر، وتعتمد اقتصاداتها بشكل أساسي على صيد الأسماك والزراعة التي تسهم بشكل كبير في الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول.

وتُعد الدول الجزرية الأكثر تأثراً بالتغيير المناخي؛ وذلك بسبب أثره في تسريع تدهور الموارد الطبيعية وانخفاض الثروات السمكية، ما يؤدي إلى إفقار شعوبها.

ولن يجد مواطنو هذه الدول مكاناً للهروب إليه من ارتفاع مستويات سطح البحر الناتج عن الاحترار العالمي، الذي يؤدّي أيضاً إلى تملّح الأنهار والبحيرات أو الكوارث الطبيعية، مثل الأعاصير والسيول الناتجة عن هذا التغيير، بالإضافة إلى عدم استقرار توازن المياه العذبة مع البحار المحيطة بها.

وتحتاج الدول الجزرية إلى إبقاء درجات الحرارة العالمية أقل من 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة، من أجل بقائها البيئي، لذلك يترتب على جميع الدول تخفيض انبعاثات الوقود الأحفوري بشكل كبير والانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون.

وهذا ما تسعى إليه لجنة الدول الجزرية الصغيرة المعنية بتغير المناخ والقانون الدولي، وذلك من خلال اللجوء إلى المحكمة الدولية لقانون البحار.

اهتمام دولي جادّ

وتحظى التأثيرات الضارّة لهذه الأزمة على الدول الجزرية باهتمام دولي غير مسبوق، بعدما اتخذ زعماء دولتين جزريتين صغيرتين قراراً بتشكيل منظمة حكومية دولية تستخدم القانون الدولي للحصول على العدالة حول ما يتعلق بأضرار التغير المناخي على بلدانهم.

إلّا أنّ أبرز المستشارين في لجنة الخبراء القانونيين التابعة للدول الجزرية، بايام أخافان، أوضح أنّه “لا توجد التزامات ملموسة بالإبقاء على ارتفاع درجة الحرارة عند حدود 1.5 درجة مئوية، ومن ثم تزداد احتمالات التعرض لتغيُّر مناخي فادح العواقب”.

وقال -وفق صحيفة “الغارديان”- إنّ القضية تعتمد في حجّيتها على مبدأ الضرر العابر للحدود، فـ”انبعاثات ثاني أكسيد الكربون كأنّها مدخنة تُطلق غازات سامة عبر الحدود، وبعض هذه الدول ستصبح غير صالحة للسكن في غضون جيل واحد، وكثير من أراضيها ستغرق تحت سطح البحر”.

ورأى أخافان أنّ هذه القضية “محاولة منهم لاستخدام جميع الأدوات المتاحة؛ بهدف إجبار الملوثين الرئيسيين على تغيير مسارهم قبل فوات الأوان”.

وكان رئيسا وزراء دولة أنتيغوا وبربودا في منطقة البحر الكاريبي، غاستون براون، ودولة توفالو في المحيط الهادئ، كوسيا ناتانو، قد سعيا للحصول على رأيٍ استشاريٍّ من المحكمة الدولية لقانون البحار، بشأن التزامات الدول تجاه مكافحة تغير المناخ.

ونتيجةً لذلك، أطلقوا لجنة الدول الجزرية الصغيرة المعنيّة بتغير المناخ والقانون الدولي (COSIS)، كمنظمة دولية في إطار الأمم المتحدة، وانضمت إليها بعد ذلك دول صغيرة أخرى عدّة، بما في ذلك جزر البهاما وسانت لوسيا وسانت كيتس ونيفيس وسانت فنسنت وجزر غرينادين، وفانواتو وبالاو ونيوي.

قانون البحار

وتضمنت معاهدة الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 الحفاظ على الموارد البيئية والبحرية والانتفاع العادل بتلك الموارد، حسب الموقع الرسمي للمحكمة الدائمة للتحكيم.

وتعالج هذه الاتفاقية الدولية المسائل المتعلقة بسيادة الدول على البحار والمحيطات وحق الانتفاع في المناطق البحرية والحقوق المتعلقة بالملاحة، وتُلزم الدول العمل على منع تلوث مياه المحيطات.

وتعرّف الاتفاقية التلوث بأنّه إدخال البشر “مواد أو طاقة إلى البيئة البحرية” تؤدي إلى إلحاق الضرر بالحياة البحرية، لكنّها في الوقت نفسه لا تشير إلى انبعاثات الكربون بالتحديد على أنّها مادة ملوثة، فيما تقول الدول التي رفعت القضية إنّ تلك الانبعاثات تدخل في ذلك الإطار.

المصدر: تي آر تي عربي