التغير المناخي يؤثر… حتى في ساعات نومنا

Sep 26, 2023

نعاني الأرق، وعدم القدرة على النوم العميق، وحتى عدم القدرة على النوم لساعات كافية رغم حاجتنا إليها مع كل الضغوط التي باتت ترافق يوميات البشر. ولعلّ من أكثر الأمور تأثيراً في إنتاجية الفرد وتركيزه ومزاجيته وفي جودة حياته ككل هو النوم. ولئن تتعدد أسباب نقص النوم السليم الذي نعانيه، فإن ما قد يغفل عنه كثيرون هو ارتباط الأرق بالتغير المناخي.

يضج العالم بانعكاسات التغيّر المناخي على الصعد كافة، اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً ونفسياً. لم يترك زاوية من حياة الإنسان إلا وأثّر فيها، إذ بات هذا التأثير يمتد إلى فراشنا ونومنا.

وفي هذا السياق، تشير نتائج دراسة حديثة إلى أن تلوث الهواء ودرجات الحرارة المرتفعة والمستويات العالية من ثاني أوكسيد الكربون والضوضاء المحيطة قد تعيق النوم الجيد ليلاً.

قام الباحثون بتتبع كفاءة نوم 62 مشاركاً –الوقت الذي يقضونه في النوم مقارنة بالوقت المتاح للنوم– لمدة أسبوعين. وقاموا باستمرار بقياس ستة عوامل بيئية مختلفة في الغرفة التي ينام فيها المشاركون: تلوث الهواء ودرجة الحرارة والرطوبة وثاني أوكسيد الكربون والضغط الجوي ومستويات الضوضاء.

ومقارنة بمستويات الضوضاء المنخفضة، ارتبطت مستويات الضوضاء العالية بانخفاض كفاءة النوم بنسبة 4.7%. كما انخفضت كفاءة نوم المشاركين بنسبة 4% عندما كانت مستويات ثاني أوكسيد الكربون مرتفعة، و3.2% عندما كانت درجة حرارة الغرفة مرتفعة، و3.2% عندما كانت مستويات تلوث الهواء مرتفعة.

ويشير الباحثون إلى أنه رغم أن التزامات العمل والأسرة يمكن أن تتنافس على وقت النوم، إلا أن التوسع الحضري المتزايد وتغير المناخ يمكن أن يؤثرا في كفاءة النوم أيضاً، ما يؤثر بدوره في نوعية الحياة. وفي الحديث عن الآثار الضارة لقلة النوم على الجسم يقول دكتور أحمد خليفة، استشاري أمراض الدماغ والأعصاب في مركز “ساك” للرعاية الصحية، “إن قلة النوم لها آثار كالتعب والصداع وقلة التركيز وسرعة التوتر والانفعال، إضافة لخطر التعرض لإصابات العمل وحوادث السير”.

في العام الماضي نشرت مجلة New Scientist تقريراً بعنوان “تغير المناخ يعني أن الناس يفقدون 44 ساعة من النوم سنوياً”. يستند التقرير إلى تحليل البيانات المأخوذة من أساور تتبع النوم في 68 دولة ومفادها أن الليالي الحارة بشكل غير عادي تتسبب في نوم الناس في وقت متأخر، والاستيقاظ في وقت مبكر، والنوم أقل.

وفي الليالي الشديدة الحرارة، حيث تزيد درجات الحرارة عن 30 درجة مئوية، وجدوا أن الناس ينامون بمعدل 14 دقيقة أقل. ويزداد احتمال النوم أقل من سبع ساعات تدريجياً حتى 10 درجات مئوية، قبل أن يرتفع بمعدل مرتفع.

ووجد الباحثون أنه إذا استمر انبعاث الغازات الدفيئة بالمعدل الحالي، فبحلول عام 2100، يمكن أن يواجه كل شخص ما متوسطه أسبوعان من النوم القصير المرتبط بدرجات الحرارة، أو ما بين 50 إلى 58 ساعة من فقدان النوم سنوياً.

تقول سوزان كلايتون من كلية ووستر في ولاية أوهايو الأميركية “إن منهجية الدراسة سليمة وتتضمن فحصاً شاملاً للغاية للتفسيرات الأخرى. إن الآثار واضحة: ارتفاع درجات الحرارة المرتبطة بتغير المناخ يقلل بالفعل من كمية النوم التي يحصل عليها الناس، ومن المتوقع أن يفعلوا ذلك بشكل أكبر. وبما أننا نعلم أن قلة النوم يمكن أن تؤثر سلباً في الحالة المزاجية والسلوك والصحة والأداء المعرفي، فإن هذا أمر مثير للقلق”. ووجد الباحثون أيضاً بقيادة كيلتون مينور في جامعة كوبنهاغن أن درجات الحرارة الأكثر دفئاً أثناء الليل تضر بالفعل بالنوم.

وبحثاً عن بعض الحلول التي تساعد على الحفاظ على معدلات نوم سليمة يقول خليفة “إن هناك طقوساً تساعد على النوم المريح كالغرفة الهادئة المظلمة المعتدلة الحرارة. وفي الأجواء المرتفعة الحرارة قد نحتاج للمكيف لهذه الغاية، شرط أن لا يجعل المكان شديد البرودة، فهذا من شأنه أن يسبب اضطراب النوم وجفاف البشرة وتقلصات في العضلات، ما قد يؤدي إلى الصداع وآلام الظهر والمفاصل. كما قد يسبب جفاف المجاري التنفسية، ما يؤهب لكثرة العدوى الفيروسية”.

قد يرى كثيرون أن أحد الحلول الممكنة لنقص النوم الناجم عن المناخ هو استخدام الكثير من مكيفات الهواء. ولكن لا، ليس كذلك! تعمل أجهزة التكييف في الواقع على تدفئة البيئة الخارجية وتزيد من تغير المناخ والاحتباس الحراري، إذ إن معظم الكهرباء التي تنتجها تأتي من حرق الوقود الأحفوري. كما أن الحرارة الزائدة التي يتم امتصاصها من منزلك تؤدي إلى تسخين الهواء الخارجي.

يقول خبير النوم الرائد البروفسور ديرك جان ديك: “لقد تركتني السنوات العشرون الماضية من دون أدنى شك في أن النوم الجيد هو المفتاح لجسم قوي ومتيقظ وعقل سليم. ولا يستطيع الكثيرون في مجتمعنا الحصول على راحة جيدة أثناء الليل، سواء كان ذلك بسبب الجو الحار جداً ولا يستطيع الناس الحصول على الراحة، أم ربما يكون الجو بارداً جداً حيث لا يتمكن الكثيرون من تحمل تكاليف تدفئة منازلهم خلال أشهر الشتاء، إذا كنا جادين بشأن النوم وتحسين صحتنا العامة، فنحن بحاجة إلى النظر إلى الصورة الأكبر ومعالجة القضايا البيئية مثل ارتفاع درجات الحرارة والتلوث الضوئي وتغير جودة الهواء التي تؤثر عن غير قصد على صحتنا، بما في ذلك جودة النوم”.

وبطبيعة الحال، تضاف إلى ضرورة معالجة القضايا البيئية عموماً بعض التوصيات ليومياتنا من شأنها أن تساعد في حل عضوي لهذه المشكلة للحفاظ على جودة النوم بحسب د. خليفة: “يجب الحفاظ على الرياضة وأخذ السوائل أثناء النهار، الإقلال من المنبهات والتدخين بعد العصر، الإقلال من استعمال الشاشات المضيئة في المساء والحفاظ على طقوس النوم في الليل (هدوء، حرارة معتدلة، ظلمة..)”.

المصدر: النهار العربي