حان الوقت لإحداث تغيير جذري في تمويل العمل المناخي

Sep 20, 2023

يكمن فهم حالة العمل المناخي عالمياً في تتبع الحسابات المالية. أما الواقع المؤلم، فهو أن العالم النامي، بحلول عام 2030، سيحتاج إلى أكثر من 2.4 تريليون دولار سنوياً لمعالجة تغير المناخ. ومن هذا المبلغ، تعهدت الدول المانحة بحشد 100 مليار دولار سنوياً، وهو جزء صغير من المطلوب. وقد عجزت مراراً وتكراراً عن الوفاء بالتزاماتها هذه حتى الصيف الماضي في قمة باريس، وبعد الكثير من الضغوط. واليوم، يتمثل التحدي في تحديد أفضل سبل حشد التمويل الذي التزمت به بما يكفل استعادة الثقة، وفي الوقت نفسه تأسيس بنية تحتية مالية جديدة للعمل المناخي.

وهذا الأمر يفرض سؤالاً جوهرياً: هل بمقدور العالم توفير تريليونات الدولارات اللازمة لتمويل التحول المناخي؟ قناعتي هي أن العالم قادر على ذلك؛ شريطة تآزر جهود الحكومات والمؤسسات المالية الدولية والقطاع الخاص لإصلاح البنية المالية القائمة، وتنسيق التدفقات المالية العالمية والمحلية بدرجة أفضل مع الأهداف المناخية العالمية.

ولنكن على دراية تامة بالمخاطر. فمن دون تحقيق إصلاح كبير للنظام المالي الحالي، سيكون بناء أنظمة جديدة للطاقة والغذاء والنقل خالية من الكربون مهمة مستحيلة. وسوف نعجز عن الاستثمار في الموارد والبنية الأساسية التي تساعد الدول النامية، وخاصة دول الجزر الصغيرة النامية واقتصادات الجنوب العالمي، على التعامل مع الفيضانات والجفاف وموجات الحر والعواصف وغير ذلك من التبعات الصادمة لتغير المناخ.

وعلى الرغم من ذلك، فإن المضي قدماً في المسار المنشود يكفل تأسيس نظام أفضل لتمويل المناخ من شأنه أن يطلق أكبر تحول اقتصادي منذ الثورة الصناعية. إنها بمثابة فرصة قيمتها عدة تريليونات من الدولارات لتحقيق أنماط نمو أفضل، وإتاحة فرص عمل جديدة، وتأسيس شركات جديدة، وميلاد صناعات جديدة كلياً؛ حتى نترك لأبنائنا وأحفادنا عالماً أكثر أمناً ونظافة وازدهاراً.

سوف تنظر الجمعية العامة للأمم المتحدة في ملف تمويل جهود العمل المناخي؛ فبينما يجتمع قادة العالم في نيويورك لحضور أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، تتزايد الحاجة إلى الاحتشاد خلف إطار واضح المعالم لإصلاح تمويل العمل المناخي. ويتعين علينا انتهاز ما حققته مبادرة بربادوس بريدج تاون، وقمة فرنسا من أجل ميثاق تمويل عالمي جديد، وقمة المناخ الإفريقية من زخم، حتى يتسنى لقمة المناخ المقبلة (كوب28) تحقيق نتائج ملموسة.

وفي السعي لبناء مثل هذا الإطار، تعقد رئاسة (كوب28) سلسلة حوارات مع مجموعة متنوعة من القادة؛ بغرض الاتفاق على مجموعة مبادئ تحدد آلية إصلاح تمويل العمل المناخي. وعقدنا أول حوار خلال أغسطس مع فريق الخبراء المستقل رفيع المستوى المعني بتمويل العمل المناخي، وأثمر الحوار بعض مبادئ محددة.

علينا وبشكل عاجل استعادة الثقة في النظام. يتعين على الدول المتقدمة احترام التزاماتها بتوجيه 100 مليار دولار سنوياً للدول النامية وأن تبين تحقيقها تقدماً نحو بلوغ هدف مضاعفة تمويل التكيف المناخي بحلول عام 2025. كما ينبغي لصناع السياسات تمويل صندوق الخسائر والأضرار وتشغيله، وهو الصندوق الذي تأسس خلال أعمال القمة السابقة (كوب27) في شرم الشيخ العام الماضي، لإعانة الدول الأشد احتياجاً حتى تتجاوب مع أزمات تغير المناخ.

ولا بد للحكومات من تيسير السبل أمام إمكانات القطاع الخاص وذلك بتقديم الحوافز وإتاحة الأدوات المناسبة. وبدوره، يجب على القطاع الخاص أن ينشط في مشاركة الحكومات والمنظمات الدولية بغرض توفير الظروف اللازمة للاستثمار. وقد شهدنا بالفعل لمحات مما يمكن تحقيقه.

على سبيل المثال، في قمة المناخ الإفريقية التي عقدت في نيروبي، أطلقت دولة الإمارات العربية المتحدة مبادرة تمويل بقيمة 4.5 مليارات دولار، تجمع شركاء من القطاعين الخاص والعام مع الحكومات الإفريقية للعمل على الاستفادة من مقدرات الطاقة النظيفة في القارة. وبالاتفاق على خطط واضحة للاستثمار وتنويع مصادر الطاقة المتجددة ووضع القواعد التنظيمية وأطر السياسات التمكينية، واتخاذ الإجراءات اللازمة لتحديث البنية التحتية الأساسية، سوف يتسنى للحكومات جمع مبالغ كبيرة من رأس المال الخاص لتحقيق أهداف النمو المستدام.

ومن الطرق العملية الأخرى التي تُمكّن بها الحكومات القطاع الخاص، إقامة أسواق الكربون الطوعية بآليات أداء أفضل، وهي أسواق قادرة على أن تكون أدوات قوية لتوجيه رأس المال الخاص من الاقتصادات المتقدمة إلى الاقتصادات النامية، وتشجيع الاستثمار في التطبيقات التكنولوجية الجديدة. وهذا على الرغم من أنها لا تعمل على النحو المأمول منها حتى الآن، نتيجة جوانب تتعلق بالجودة والنزاهة. وزيادة الثقة في هذه الأسواق مهمة الحكومات، وذلك بفرضها معايير نزاهة عالية وتنظيمات قوية، ووضعها تعريفات واضحة، وسنّها عقوبات لازمة.

وأخيراً، نحتاج إلى مزيد من الكفاءة في عمل مؤسسات التمويل الدولية. وتتعين إعادة فعلية لرسملة بنوك التنمية متعددة الأطراف. كما إن عليها التعاون على مستوى أفضل كمنظومة تدعم النهج والمنصات الوطنية المشتركة. ويلزم أن ينصبّ التركيز في نهاية المطاف على الأدوات التي تتيح المزيد من رؤوس الأموال الخاصة، بدلاً من أن تكون طاردة لها.

وعلاوة على ذلك، لا بد أن تعيد مؤسسات التمويل الدولية النظر في كيفية استغلال آليات، من قبيل حقوق السحب الخاصة لدى صندوق النقد الدولي، في تخفيف عبء الديون عن كاهل الدول الضعيفة المتضررة من تغير المناخ، وتحرير حيز مالي للاستثمارات، والاستفادة من التمويل الخاص. وكذلك، يتعاظم دور صندوق النقد الدولي في تحفيز السياسات الصحيحة للاقتراض المحلي، وحشد الموارد لتلبية احتياجات العمل المناخي.

هناك مجموعة واسعة من السياسات والآليات الإضافية التي من شأنها إحداث الفارق؛ بدءاً من الإصلاحات الضريبية ومروراً بمبادلة الديون بالمناخ والطبيعة ووصولاً إلى المبادرات التي تستفيد من الجهود الخيرية الخاصة. لذا، علينا حسن استغلال كل ما بين أيدينا من أدوات بغية سدّ الفجوة في التمويل اللازم للعمل المناخي.

إن إصلاح هيكلية تمويل العمل المناخي مسعىً شاق ولكنه ممكن التحقيق. والبداية هي استعادة الثقة، وهي ما يجب أن تستمر في دورة هذا العام للجمعية العامة للأمم المتحدة. وحتى يكون ذلك الأمل واقعاً ملموساً، فإنني أدعو جميع الحكومات ومؤسسات التنمية وقادة الأعمال إلى استغلال الوقت قبيل انعقاد قمة (كوب28) لأجل رفع سقف طموحاتهم والوفاء بتعهداتهم.

كما أحثهم على ألا يدخروا أي جهد في دعم الإصلاح الجوهري للبنية المالية العالمية بغية توفير التمويل للعمل المناخي على نطاق أكبر. إن الأموال في انتظار إتاحتها. واليوم، علينا حسن استغلال انعقاد الدورة الحالية للجمعية العامة للأمم المتحدة، والأسابيع المتبقية قبل انعقاد (كوب28) في تأسيس الإطار الصحيح وحشد الإرادة السياسية لإتاحة هذه الأموال.

بقلم: سلطان الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة الإماراتي، والرئيس المعيَّن لمؤتمر الأطراف (كوب28)