أزمة المناخ العالمية وسلوكيات التدمير الذاتي تهددان مستقبل الإنسانية

Sep 19, 2023

قرابة 70 يوماً تفصلنا عن انطلاق فعاليات مؤتمر الأطراف كوب28 في دولة الإمارات، هذا الحدث التاريخي الذي يتطلع له المجتمع الدولي بأكمله لما يحمله من أهمية كبيرة، كونه سينعقد بعد إجراء أول حصيلة تقييم عالمية للالتزام ببنود وأهداف اتفاق باريس للمناخ، وخصوصاً فيما يتعلق بخفض انبعاثات الكربون وتعزيز التحول في قطاع الطاقة، ولتركيزه على ضرورة دفع جهود تعويض الخسائر والأضرار الناجمة عن تداعيات التغير المناخي وتمويل جهود العمل المناخي.

ويأتي كل هذا في ظل عام شهدنا فيه جميعاً ارتفاعاً غير مسبوق لدرجات الحرارة، وحرائق الغابات والتراجع في معدلات الأمطار في مناطق قلَّ ما شهدت مثل هذه الظواهر من قبل.

وفي ظل هذا الانتظار والزخم العالمي، تظهر مجموعة من الدعوات السطحية التي تدعو لمقاطعة المؤتمر، أو تغيير مكان انعقاده، متجاهلة الأهمية المصيرية لهذه الدورة والتقدم المنتظر في مسيرة العمل المناخي العالمي الذي ستقدمه، ومتجاهلة تفاقم حدة تداعيات التغير المناخي بوتيرة تفوق سرعة وحجم الجهود المبذولة للتخفيف من مسببات وحدّة هذا التغير، وتعزيز قدرات التكيف مع تداعياته.

وفي محاولة لفهم طبيعة العقليات التي تطلق هذا النوع من الدعوات التي تطالب بمقاطعة وتعطيل مسيرة عمل عالمي، نجد أن علم النفس يتناول هذه السلوكيات الانهزامية والمتخاذلة للأشخاص في مواجهة تحدياتهم الحياتية في العديد من نظرياته، ومنها “نظريات التدمير الذاتي” التي تدفع بعض الأشخاص أو بعض الجماعات إلى تبني سلوكيات السلبية والانهزام وحتى مهاجمة الساعين لمواجهة التحديات المفروضة أو النماذج الناجحة على أرض الواقع، ومنها أيضاً نظريات “الضغوط الاجتماعية والامتثال”، حيث تشير بعض النظريات إلى أن بعض أفراد المجتمع ينخرطون في سلوكيات تساهم في تدمير الذات – والمقصود هنا ضمن السياق هو تعطيل العمل المناخي أو تشتيته وبالتالي تشكيل تهديد حقيقي على مستقبل الإنسانية وطبيعة حياتها وبنيتها – لأسباب مختلفة منها “تأثير الأقران” الذي قد يدفع البعض مثلاً للتوقيع على عريضة تطالب بإلغاء المؤتمر أو تغيير رئاسته أو أي طلب جماعي من شأنه تعطيل أعمال المؤتمر وتصعيب الوصول إلى أهدافه وتحقيقها لإرضاء دوافع داخلية تكمن في الحاجة للقبول الاجتماعي، وبسبب الرغبة بالانتماء لمجموعة معينة والاندماج معها و”الامتثال لمعايير مجتمعية” وتبنيها لأسباب مبنية بأغلبيتها على القبول أو الرفض من أفراد حولهم.

كما أن لوسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي دوراً مهماً وتأثيراً بالغاً على تبني بعض السلوكيات الاجتماعية عبر نشر الأفكار وتكرار الرسائل التي تدغدغ في ظاهرها مشاعر القارئ أو المتلقي وتؤثر على توجهاته التفكيرية التحليلية ليصل إلى استنتاجات ومفاهيم مغلوطة وغير صحيحة تمس المصلحة العامة بشكل سلبي.

وتكمن الإشكالية في أن هذه الدعوات السطحية تتذرع بكون هذه الدورة المفصلية في تاريخ العمل المناخي، ستقام في دولة منتجة للنفط – على الرغم من أنها ليست المرّة الأولى التي تستضيف بها دولة منتجة للنفط هذا المؤتمر – الأمر الذي يدعو إلى الاستغراب الشديد دون أن نتجاهل أن بعض مصادر هذه الدعوات المتخاذلة هي من جهات تكمن وراءها أجندات تخريبية تدعو إلى وقف إنتاج أهم مصدر عالمي للطاقة قبل توفر البدائل القادرة على ضمان استمرارية الحياة البشرية والاقتصادية والاجتماعية.

وقد رأينا الآثار المدمرة على العمل المناخي حين تعطلت سلاسل إنتاج الطاقة في القارة الأوربية بسبب الحروب في تلك المنطقة حيث سارعت بعض الدول إلى فتح محطات الطاقة التي تعتمد على الفحم في نوع من رد الفعل الهستيري لتلبية احتياجاتها من الطاقة، بما يجعلنا نتساءل إذا كانت هذه الدعوات التي تتعامى عن ظروف الأزمات مثلاً تعد نوعاً من الجهل أو الاستخفاف بعقول الناس؟ أم رغبةً في تعطيل التوجهات العالمية لمواجهة التحدي الأكثر خطورة على البشرية وكوكب الأرض ككل؟.

كما شهد اختيار دولة الإمارات لاستضافة هذا المؤتمر تصويتاً وتأييداً من أغلبية دول العالم، استناداً إلى نموذجها الرائد في العمل المناخي الذي يمتد لأكثر من ثلاثة عقود كاملة منذ بدء مفاوضات واتفاقيات حماية طبقات الأوزون مروراً باتفاقيات الاحتباس الحراري ثم برتوكول مونتريال وبرتوكول كيوتو، وكونها أول دولة في المنطقة توقع على اتفاق باريس للمناخ، وأول دولة في المنطقة أيضاً تطلق مبادرة استراتيجية لتحقيق الحياد المناخي بمشاركة القطاعات كافة.

تسير جهود دولة الإمارات في العمل من أجل البيئة والمناخ بوتيرة متسارعة على المستويين المحلي والدولي، إذ اعتمدت الدولة في قطاع الطاقة استراتيجيةً وطنيةً لتنويع مصادر الطاقة وتعزيز الاعتماد على الطاقة المتجددة والطاقة النظيفة ضمن مزيج الطاقة المحلي، علاوةً على تطبيق منظومة الاقتصاد الدائري والتوجه نحو تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة في القطاعات كافة.

كما وتدعم دولة الإمارات الجهود العالمية لنشر واستخدام حلول الطاقة المتجددة عبر التمويل المباشر في العديد من الدول النامية، وتنفيذ مشاريع الطاقة المتجددة في دول أخرى من خلال مؤسساتها وشركاتها الوطنية مثل شركة أبوظبي لطاقة المستقبل “مصدر” التي تمكنت خلال ما يقل عن عقدين من الزمن من التحول من كونها مجرّد رؤية طموحة إلى أحد أكبر الكيانات الاستشارية والتنفيذية في العالم في مجال الطاقة المتجددة.

كما وأعلنت دولة الإمارات مؤخراً عن مبادرة تمويلية متميزة وجديدة بقيمة 4.5 مليار دولار للطاقة النظيفة في القارة الأفريقية من شأنها أن تجذب ما لا يقل عن 12.5 مليار دولار إضافية سعياً للمساهمة في تزويد 100 مليون فرد في تلك القارة بالطاقة النظيفة.

وفي دورة مؤتمر دول الأطراف كوب28 الذي تستبق بعض الآراء المتخاذلة عقده وتحاول التقليل من أهميته، وضعت دولة الإمارات إشكالية الخسائر والأضرار في مقدمة محاور النقاش واتخاذ القرارات اللازمة، لتضمن تحقيق مشاركة فعلية تشمل دول الشمال والجنوب في جهود العمل المناخي لضمان حماية مستقبل الحياة على كوكب الأرض.

ومن الأجدر بالجماعات التي تعتقد أنها تدعم العمل البيئي والمناخي أن تتعامل مع هذا التحدي الخطير بنظرة كلية وشمولية مبنية على مبدأ مد جسور التعاون والتواصل -كما تفعل دولة الإمارات- تضمن عبرها أن يكون الجميع طرفاً في العمل من أجل المناخ، لا أن تتبنى نظريات الاستثناء والنبذ التي تعطل أي محاولة للتعامل مع أي تحدٍ كان.

ولعلها تلبي الدعوة التي أطلقها وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة بدولة الإمارات، الرئيس المعين للدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي (كوب28) ، لتوحيد وتكاتف كافة الجهود وتحقيق أعلى الطموحات المناخية وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة والاستفادة من الفرص المتاحة وتبادل الخبرات والمعارف والثقافات للمساهمة في ضمان مستقبل مشرق للبشرية.

ومع اقتراب انطلاق الدورة المفصلية في تاريخ العمل المناخي كوب28، سنلاحظ جميعاً ازدياد حدة الانتقادات والنداءات المختلفة الإيجابية منها والسلبية لنتعرف من خلالها بشكل أوضح على من يعمل فعلياً على توحيد الجهود العالمية وانضمام دول الجنوب إلى دول الشمال في هذه المسيرة الحتمية لحماية مستقبل الحياة على كوكب الأرض، كما سنتمكن من ملاحظة ومعرفة من يطلق دعوات سطحية لا تستهدف سوى تعطيل هذه المسيرة لأسباب أقل ما يقال عنها أنها واهية.

بقلم: سامي حجازي سلامة – العين