الحرب الأوكرانية وقضية التغير المناخي

Aug 01, 2023

توصف مشكلة التغير المناخي وبخاصة قضية الاحترار العالمي أو الاحتباس الحراري كتهديد وجودي للبشرية، وثاني أخطر تهديد وجودي عالمي بعد السلاح النووي.

ففي مؤتمر صحفي عقد الأسبوع الماضي، نبه الأمين العام للأمم المتحدة «أنطونيو غوتيريش» من انتقال العالم من حقبة الاحترار العالمي إلى حقبة «الغليان العالمي» بتجاوز متوسط درجة الحرارة 1.5 درجة. ففي يوليو الحالي سجلت الأرض أعلى درجات حرارة في التاريخ.

وظهرت معالم الغليان العالمي في كم الكوارث الخطيرة التي ألحقت في مناطق عديدة على الكوكب في صيف 2023، ففي اليونان على سبيل المثال، اندلعت حرائق غابات غير مسبوقة. وفي آسياشهدت درجات الحرارة ارتفاعات غير مسبوقة مخلفة حرائق في منشآت صناعية وفيضانات عارمة. كم أعلنت بعض الدول الأوروبية حالة الطوارئ بعدما تجاوزت درجة الحرارة 45 درجة، مخلفة ذوبان أجزاء من جليد جبال الألب. وتقريبا لم تلفت دولة في العالم من التأثيرات الخطيرة الناجمة عن الغليان العالمي.

قبيل الحرب الروسية-الأوكرانية لم تكن جهود ومساعي المجتمع الدولي للتصدي لقضية الاحترار العالمي تسير على أفضل حال، إذ كانت بطيئة للغاية، وغير فعالة في أغلبها. فكثير من الدول خاصة الغربية قد قطعت أشواطاً جيدة في مسألة الطاقة البديلة، وتبنت دول أخرى جهودا لزرع مساحات واسعة خضراء، وعملت بعض الدول الكبرى خاصة الصين والولايات المتحدة والهند على تقليص درجات محدودة من الانبعاثات الكربونية الناجمة عن النشاط الصناعي.

اندلعت الحرب الأوكرانية في فبراير2022، مخلفة واقعا عالميا جديدا أكثر إرباكاً، حيث تبدلت الأولويات لدى الدول، وتغيرت الحسابات السياسية والاقتصادية والجيوسياسية العالمية بصورة شبه تامة. وكان من أخطر الإفرازات الخطيرة لهذا الواقع الجديد وهو التدهور الحاد لما تبقى من جهود محدودة للتصدي للاحترار العالمي.

ولعل أخطر ما خلفته الحرب الأوكرانية، هو تدشين واقع جيوسياسى عالمي شديد التصارع على الطاقة لاسيما الطاقة التقليدية «النفط». برهنت الحرب الأوكرانية أن النفط لا يزال المرتكز الرئيسي للطاقة العالمية، بل هو المحرك الرئيسي للاقتصاد العالمي. فغياب حصص النفط الروسية قد أسهمت في ارتفاعات عالمية في مستويات التضخم وأيضا في نشوء أزمة غذاء عالمية. وعليه، بدأت الدول في التركيز على تأمين احتياجاتها من النفط والبحث عن التنقيب عن المزيد، بل بدأت بعض الدول الأوروبية في إعادة استخدام الفحم الملوث الأول للبيئة، وهو ما يمثل ضربة قاصمة للجهود السابقة للحد من التلوث وتطوير جهود الطاقة البديلة.

وعلى هذا الأساس أيضا، من الصعب تصور أفق للتعاون بين الدول في مسألة الحد من الاحتباس الحرارى في ضوء الأفق المتوقع للتنافس الشديد بين الدول على النفط. حيث بات النفط مرادفا للاستقلال السياسي وتأمين الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.

من الصعب للغاية دفع المجتمع الدولي للتصدي للاحترار العالمي دون دفة قيادة أمريكية-صينية مشتركة لجهود المجتمع الدولي. بل إن قضية التغير المناخي على وجه الخصوص كانت من القضايا الرئيسية التي كان يعول عليها الأمريكيون والصينيون لإحداث توازن في علاقات التنافس بينهما، وعدم انجرار العلاقات بينهما إلى حرب عالمية ثالثة، نظراً لحتمية التعاون بينهما لحماية الكوكب.

وحقيقية الأمر أن الحرب الأوكرانية قد أدت إلى تشديد حدة المنافسة بين واشنطن وبكين، إذ يلاحظ التعنت الأمريكي في بعض القضايا الخلافية خاصة قضية تايوان بعد الحرب، خوفاً من تكرار سيناريو أوكرانيا هناك. والحرب الأوكرانية على وجه العموم قد شددت من حدة التنافر والصراع بين المعسكرين الغربي بقيادة واشنطن والشرقي بقيادة بكين، لأن الفوز في أوكرانيا سيكون بمثابة لحظة فارقة في تشكيل نظام دولي جديد بقيادة بكين أو استدامة الحالي بقيادة واشنطن.

وفي خضم هذا الصراع، سيكون الصراع الطاقة والموارد الطبيعية عموما أمرا حاسما لكلا الطرفين. إذ نلحظ على سبيل المثال، تراجع الصين نسبيا عن خطط تخفيض الانبعاثات الكربونية واللجوء إلى الفحم في بعض الصناعات. وعلى الجانب الآخر، قيام الولايات المتحدة بزيادة معدلات إنتاج النفط الصخري لتأمين احتياجاتها من النفط، والاستفادة من الأسعار المرتفعة. ولا يفوتنا في صدد ذلك التذكير أن كل قوة تسعى إلى المحافظة على قوة اقتصادها الدعامة الرئيسية في ميزان القوة مع الطرف الآخر، وبالتالي ستمضي في استخدام الطاقة التقليدية دون أي اكتراث لمسألة الاحترار العالمي وتبعاته الخطيرة.

ملخص القول، شكلت الحرب الأوكرانية ضربة قاصمة لجهود المجتمع العالمي لمكافحة ظاهرة الاحترار العالمي. فناهيك عن حجم التلوث الخطير الناجم من الحرب التي ربما ستستمر لبضع سنوات، خلفت الحرب واقع جيوسياسي شديد التنافس على الطاقة التقليدية خاصة النفط، كما خلفت واقعا جيوسياسيا شديد التنافس في العالم يصعب معه تصور أية جهود دولية رامية للتصدي للاحتباس الحراري والتي كانت هزيلة بحيث أوصلت العالم في صيف 2023 إلى الغليان العالمي.

بقلم: فاتن الدوسري – الشرق